مقدمة:
نقص الكالسيوم حول الولادة في الأغنام والماعز مرض استقلابي حادّ يحدث غالبًا في الأسابيع الأخيرة من الحمل، وأحيانًا بعد الولادة. يتميّز بظهور مفاجئ لاضطراب في التوازن العصبي-العضلي يبدأ برجفة وعدم ثبات في المشي، ثم يتطوّر بسرعة إلى رقود، غيبوبة، وقد ينتهي بالنفوق إذا لم يُعالج في الوقت المناسب.
الخطر الأكبر أنّ المرض قد يصيب عدّة حيوانات في القطيع خلال فترة قصيرة، خصوصًا الحوامل بتوائم، فيسبّب خسائر كبيرة دون أن ينتبه المربّي إلى السبب الحقيقي.
أولًا: ما الذي يحدث داخل جسم النعجة أو الماعز؟
في نهاية الحمل تزداد حاجة الجنين للكالسيوم لبناء الهيكل العظمي.
إذا كانت العليقة فقيرة بالكالسيوم، أو انخفض استهلاك الحيوان للغذاء بسبب إجهاد أو تغيّر مفاجئ في العلف، يبدأ مستوى الكالسيوم في الدم بالهبوط.
جسم الحيوان يحتاج من 24 إلى 72 ساعة ليُفعّل آليات سحب الكالسيوم من العظام ورفع امتصاصه من الأمعاء. عند حدوث النقص بسرعة لا يستطيع الجسم التعويض، فيظهر المرض. تزداد الخطورة في الحالات التالية:
- الحمل بتوأمين أو أكثر.
- الأعلاف الفقيرة بالكالسيوم (سيلاج الذرة، حشائش فقيرة، حبوب فقط بدون إضافات معدنية).
- ارتفاع الفوسفور في العليقة مع انخفاض الكالسيوم (اختلال نسبة Ca:P).
- نقص فيتامين د أو غياب التعرض للشمس لفترات طويلة في الحظائر المغلقة.
- الحيوانات الكبيرة في العمر التي تقلّ قدرتها على تعبئة الكالسيوم من العظام.
ثانيًا: متى يظهر المرض؟
يمكن أن يظهر:
- من 6 أسابيع قبل الولادة حتى 10 أسابيع بعدها.
- لكن أكثر فترة شيوعًا هي 1–3 أسابيع قبل الولادة، خاصة في النعاج والماعز الحوامل بتوائم.
- غالبًا يكون على شكل بؤرة في القطيع:
- عادة أقل من 5% من الحيوانات
- وفي الحالات الشديدة قد تصل الإصابات إلى 30%.
كثيرًا ما يرتبط ظهوره بعامل محرّض مثل:
- تغيّرٍ مفاجئ في نوع أو كمية العلف.
- صيام قصير بسبب النقل، أو القصّ (الجزّ)، أو العزل في حظيرة جديدة.
- تغيّر حاد في الطقس أو تعرّض لإجهاد شديد.
ثالثًا: الأعراض والعلامات السريرية
1. المرحلة المبكرة
- مشية متصلّبة مع تمايل أو ترنّح.
- ضعف شهية، قلة حركة الكرش.
- إمساك وانتفاخ بسيط.
- سيلان لعاب، أحيانًا رجفة عضلية خفيفة في الوجه أو الأطراف.
2. المرحلة المتقدّمة
- رقود على الصدر مع مدّ القوائم الخلفية للخلف في شكل “الضفدع”.
- خمول واضح، استجابة بطيئة للمؤثرات.
- غياب منعكس الشرج، وانتفاخ الكرش بسبب توقّف حركة الجهاز الهضمي.
- نبض قلبي سريع، وصوت القلب أضعف من الطبيعي.
- في الماعز قد تظهر رجفات عضلية بصورة أوضح من الأغنام.
3. المرحلة النهائية
- رقود على الجنب وعدم القدرة على الجلوس.
- فقدان الوعي أو شبه غيبوبة.
- انتفاخ شديد، صعوبة تنفس، ثم نفوق إذا لم يتم التدخل بسرعة.
ملاحظة مهمة: في نهاية الحمل يُعد التسمم الحملي أهم مرض يجب التفريق بينه وبين نقص الكالسيوم، وقد يجتمع المرضان في الحيوان نفسه؛ لذلك يفضّل قياس الأجسام الكيتونية في البول أو الدم عندما يكون ذلك ممكنًا.
رابعًا: كيف نُشخّص المرض؟
يعتمد التشخيص غالبًا على:
- التاريخ المرضي للقطيع
- فترة ما قبل الولادة أو بعدها مباشرة.
- نوعية العلف (فقير بالكالسيوم، أو تغيّر مفاجئ).
- إصابة عدّة نعاج أو ماعز في وقت متقارب.
- الأعراض المميزة
- رقود، انتفاخ، ضعف شديد في الحركة مع علامات عصبية خفيفة.
- استجابة الحيوان لحقن الكالسيوم
- إذا استجاب الحيوان خلال دقائق لحقن الكالسيوم الوريدي ونهض أو تحسّنت حالته بوضوح، فهذا يؤكّد التشخيص عمليًا في الحقل.
- تحليل الدم (عند توفره)
- تركيز الكالسيوم الكلي أقل من 2 mmol/L.
- القياس الأدق هو الكالسيوم المتأيّن، لكن ليس متوفرًا دائمًا.
- يُفضّل في نفس الوقت قياس الكيتونات للتفريق عن التسمم الحملي.
خامسًا: العلاج – كل دقيقة تصنع فرقًا
1. إعطاء الكالسيوم بالوريد
- الدواء الشائع هو كالسيوم بوروجلوكونات 23%.
- الجرعة للنعجة أو الماعز البالغة: 50–150 مل بالوريد ببطء لمدة 5–7 دقائق.
- يجب تدفئة المحلول إلى 35–40°م قبل الحقن.
- أثناء التسريب يُراقَب القلب بالسماعة، ويُوقَف التسريب فور ظهور عدم انتظام واضح في النبض.
2. منع الانتكاس
بعد تحسّن الحيوان وعودته للجلوس أو الوقوف:
- يمكن إعطاء جرعة فموية من محلول الكالسيوم أو جل الكالسيوم المخصّص للمجترات، أو
- حقن الكالسيوم تحت الجلد بجرعة تقسَّم على 2–3 مواضع لتقليل التهيّج الموضعي.
3. الرعاية التمريضية
- قلب الحيوان الراقد من جنب لآخر كل عدة ساعات لتجنّب تقرّحات الضغط.
- وضعه على فرشة جافة وناعمة.
- تخفيف الانتفاخ إن كان شديدًا.
- توفير ماء نظيف وعلف سهل الهضم بمجرد قدرته على الوقوف أو الأكل.
في الحالات التي يُوجد فيها أيضًا تسمم حملي، يحتاج الحيوان إلى دعم بالطاقة (محاليل جلوكوز، بروبيلين جلايكول فموي) إلى جانب الكالسيوم.
سادسًا: الوقاية – إدارة العليقة والحمل
الوقاية أبسط وأرخص بكثير من علاج الحالات الحادة. أهم النقاط:
1. توازن الكالسيوم والفوسفور في العليقة
- يجب أن تكون نسبة الكالسيوم : الفوسفور أكبر من 1.5 : 1.
- الأعلاف الفقيرة بالكالسيوم مثل سيلاج الذرة، بعض حشائش المراعي الفقيرة، والحبوب وحدها يجب دعمها بمركزات معدنية تحتوي على كالسيوم مناسب.
2. تغذية خاصة في نهاية الحمل
- التركيز على النعاج والماعز الحوامل بتوائم أو أكثر.
- تجنّب نقص الطاقة الشديد الذي يهيّئ للتسمم الحملي ونقص الكالسيوم معًا.
- توفير مكعّبات أملاح أو خلطات معدنية تحتوي على كالسيوم وفيتامين د بجرعات مناسبة.
3. تجنّب الإجهاد والتغيّرات المفاجئة
- عدم تغيير نوع العلف أو كميته فجأة في الأسابيع الأخيرة من الحمل.
- تقليل فترات الصيام المرتبطة بالنقل أو الجزّ أو المعاملات الأخرى.
- تجنّب حشر الحيوانات في أماكن ضيقة أو سيئة التهوية.
4. متابعة القطيع
- ملاحظة أي نعجة أو معزة في نهاية الحمل تظهر عليها علامات خمول، تمايل في المشي، أو عزوف عن الأكل، والتدخل مبكرًا.
- في حال ظهور أكثر من حالة، يُراجع الطبيب البيطري تركيب العليقة بالكامل ويعدّلها، مع إعطاء جرعات وقائية من الكالسيوم عند الحاجة.
سابعًا: خلاصة عملية للمربّي
- نقص الكالسيوم حول الولادة في الأغنام والماعز مرض حاد وسريع، لكن علاجه ناجح جدًا إذا تم التدخل مبكرًا.
- أهم علامة تميّزه في الحقل: رقود مفاجئ في نهاية الحمل أو بعد الولادة مع تحسّن واضح بعد حقن الكالسيوم.
- العلاج الأساسي: كالسيوم بوروجلوكونات بالوريد ببطء، ثم جرعة فموية أو تحت الجلد لمنع الانتكاس.
- الوقاية تبدأ من العليقة:
- توازن جيد للكالسيوم والفوسفور،
- دعم فيتامين د،
- وتجنّب الإجهاد والتغيّر المفاجئ في التغذية أواخر الحمل.
باتّباع هذه الأسس يمكن للمربّي أن يقلّل بشكل كبير من حالات النفوق والخسارة في النعاج والماعز في فترة ما حول الولادة، ويحافظ على قطيعٍ منتجٍ ومستقرّ صحيًّا واقتصاديًّا.