مقدمة

الطماطم من أهم محاصيل الخضر في الوطن العربي، لكن زراعتها في الأراضي الرملية تحتاج إدارة دقيقة للري والتسميد حتى تعطي إنتاجًا اقتصاديًا. في المقابل، تمتاز هذه الأراضي بسرعة الصرف وسهولة الخدمة، لذلك يمكن أن تعطي محصولًا ممتازًا إذا استُخدم الري بالتنقيط وبرنامج تسميد مدروس.

في هذا الدليل سنشرح خطوة بخطوة مشروع زراعة الطماطم في الأراضي الرملية بالتنقيط من اختيار الصنف وحتى إدارة الآفات، مع التركيز على أصناف ومواد متوفرة عادة في الأسواق العربية.

أولًا: فهم طبيعة الأراضي الرملية

قبل أي شيء، من المهم أن تعرف مميزات وعيوب الأرض الرملية:

• مميزاتها:
  • سهلة الخدمة والحرث والتسوية.
  • تستجيب بسرعة للتسميد.
  • مناسبة للري بالتنقيط والري اليومي الخفيف.
• عيوبها:
  • قدرة ضعيفة على الاحتفاظ بالماء والعناصر الغذائية.
  • قابلة لارتفاع الملوحة إذا كان ماء الري مالحًا.
  • تحتاج إلى إضافة مادة عضوية باستمرار لتحسين البناء.

لذلك، نجاح المشروع يعتمد على:

1. إضافة كمية جيدة من السماد العضوي المحلل.
2. الاعتماد على الري بالتنقيط وتقسيم المياه والأسمدة على جرعات صغيرة ومتكررة.

ثانيًا: اختيار صنف الطماطم المناسب

اختيار الهجين الصحيح نصف الطريق للنجاح. عند الشراء من المشتل أو شركة البذور، اطلب أصنافًا تتوفر فيها الصفات الآتية:

• تحمّل درجات الحرارة المرتفعة.
• مقاومة لفيروس تجعد واصفرار أوراق الطماطم TYLCV (يُشار له عادةً بالرمز Ty-1 أو Ty-2 على عبوة البذور).
• مقاومة للنيماتودا والذبول الفيوزاريومي إن أمكن.
• ثمار صلبة تتحمل النقل ولها لون أحمر جذاب.

في أغلب الدول العربية تتوفر هجن مستوردة عالمية (هجن هولندية، إسبانية… إلخ) مسجلة لدى وزارات الزراعة. الأفضل أن:

• تستشير المرشد الزراعي أو مهندس الشركة عن الهجن المجربة في منطقتك.
• تتجنب زراعة أصناف مجهولة المصدر حتى لو كان سعرها منخفضًا.

ثالثًا: تجهيز الأرض قبل الزراعة

1. تحليل التربة وماء الري

من الأفضل أن تجري تحليلًا للتربة ولماء البئر أو شبكة الري، لمعرفة:

• ملوحة الماء (EC).
• نسبة الكالسيوم، المغنيسيوم، الصوديوم.
• درجة حموضة التربة (pH).

هذا التحليل يساعدك في ضبط برنامج التسميد، خاصة في الأراضي الرملية والمالحة.

2. إضافة السماد العضوي والمحسنات

قبل الزراعة بـ 3–4 أسابيع:

• أضف سمادًا عضويًا متحللًا جيدًا (منشّط أو كومبوست) ويجب أن يكون خاليًا من بذور الحشائش.
• يمكن إضافة:
  • كبريت زراعي لتحسين التربة عالية القلوية.
  • سوپر فوسفات الكالسيوم كسماد فوسفاتي أساسي.
• تُخلط الإضافات بالتربة بالحرثة العميقة، ثم تُسوّى الأرض جيدًا (ويُفضّل تسوية ليزر في المساحات الكبيرة).

3. تخطيط الأرض ومسافات الزراعة

في الأراضي الرملية المفتوحة:

• المسافة بين الخطوط: من 1.0 إلى 1.2 م بحسب نوع الهجين وطريقة الخدمة.
• المسافة بين الشتلات على الخط: 30–40 سم للطماطم الطرية للمائدة.

في البيوت المحمية والأنفاق:

• تُزرع الطماطم عادة على خطين في المصطبة، مع مسافة 40–50 سم بين النباتات.

رابعًا: تصميم وتشغيل شبكة الري بالتنقيط

مكونات أساسية

• خزان ماء أو مصدر ثابت للري.
• فلتر (شبكي + رملي في حالة المياه المحمّلة بالشوائب).
• خزان تسميد (تانك فيرتيجشن) أو مُحقِن أسمدة Venturi.
• خطوط رئيسية وفرعية من الـ PVC أو الـ PE.
• خراطيم تنقيط 16 مم بنقاطات 2–4 لتر/ساعة، والمسافة بين النقاطات 30–40 سم.

مبادئ إدارة الري في الأرض الرملية

• الري يكون يوميًا تقريبًا في معظم فترات الموسم، مع زيادة عدد الريات في الصيف.
• من الأفضل تقسيم كمية الماء على ريتين خفيفتين في اليوم في الأجواء الحارة بدل رية واحدة ثقيلة.
• بعد الشتل، تُراعى الرّيات الخفيفة المتقاربة حتى تثبت الجذور ثم يُعدّل البرنامج تدريجيًا.

ملاحظة: البرنامج الدقيق للري (بالدقائق أو الأمتار المكعبة) يختلف حسب نوع التربة، ملوحة الماء، عمر النبات، ودرجة الحرارة، لذلك يُفضّل متابعته مع مهندس متخصص في منطقتك.

خامسًا: برنامج تسميد مقترح بالتنقيط

البرنامج التالي مثال عملي يمكن تعديله وفق تحليل التربة وماء الري، ويُستخدم فيه أسمدة متوفرة في أغلب الدول العربية:

1. مرحلة النمو الخضري (من الشتل حتى بداية التزهير)

• استخدام سماد مركّب NPK 19-19-19 أو قريب منه في خزان التسميد.
• إضافة نترات الكالسيوم 1–2 مرة أسبوعيًا لتقوية المجموع الخضري والجذور.
• استخدام حمض هيوميك أو مادة عضوية سائلة مرة كل أسبوعين لتحسين التربة وزيادة الاستفادة من السماد.

2. مرحلة التزهير والعقد

• الانتقال تدريجيًا إلى سماد NPK 12-12-36 أو أي تركيبة عالية البوتاسيوم.
• الاستمرار في نترات الكالسيوم ولكن بكميات أقل.
• رش ورقي بعناصر صغرى (حديد – زنك – منجنيز) بمخاليط جاهزة مسجلة، وخاصة في الأراضي الرملية التي تعاني من نقص العناصر.

3. مرحلة التحجيم والإنتاج

• التركيز على سماد بوتاسيوم (مثل سلفات البوتاسيوم أو NPK عالي البوتاسيوم).
• المحافظة على إمداد جيد بالكالسيوم لتفادي عفن الطرف الزهري.
• في حال ارتفاع الملوحة، يمكنك استخدام أحماض (فوسفوريك/نيتريك) بجرعات محسوبة لخفض pH المحلول وتنظيف النقاطات، مع الالتزام بتعليمات السلامة.

مهم:

• قسّم التسميد على عدة أيام في الأسبوع.
• لا تخلط أسمدة تحتوي على الكالسيوم مع الأسمدة التي تحتوي على الفوسفات أو الكبريتات في نفس الخزان حتى لا يترسب السماد.

سادسًا: إدارة النبات والتحجيم

حتى تستفيد من برنامج الري والتسميد يجب أن تدير نمو النبات نفسه:

1. التربية والتدعيم
   • في الهجن غير المحددة داخل البيوت المحمية، يُربّى النبات على ساق أو ساقين ويُربط بحبال إلى السلك العلوي.
   • في العروة الصيفية المكشوفة يمكن استخدام أوتاد وخيوط لتقليل ملامسة الثمار للتربة.
2. إزالة السرطانات (الخُلفات)
   • تُزال السرطانات الجانبية الصغيرة أولًا بأول للحفاظ على تهوية جيدة وتوجيه الغذاء للثمار.
3. إزالة الأوراق السفلية القديمة
   • تُحذف الأوراق المصابة أو الملامسة للتربة تدريجيًا؛ هذا يقلل الرطوبة حول الساق ويخفف من انتشار الأمراض.
4. تنظيم عدد الثمار على العُنقود
   • في الحالات التي يكون فيها العقد غزيرًا جدًا، يمكن تخفيف بعض الثمار الصغيرة لتحسين الحجم والجودة.

سابعًا: أهم المشاكل والأمراض في الحرّ وكيفية التعامل معها

1. اللفحة المبكرة (Alternaria)

الأعراض:
بقع بنية على الأوراق السفلية بها حلقات دائرية، ثم تجف الأوراق وتسقط.

الوقاية والعلاج:

• زراعة أصناف مقاومة قدر الإمكان.
• عدم الإفراط في الرطوبة حول النباتات.
• الرش بمبيدات فطرية مسجّلة مثل المركبات التي تحتوي على:
  • كلوروثالونيل Chlorothalonil
  • مانكوزيب Mancozeb
  • أزوكسي ستروبين Azoxystrobin
    مع ضرورة الالتزام التام بالجرعة وفترة الأمان حسب النشرة المحلية في بلدك.

2. لفحة الشمس وتشقق الثمار

الأسباب:

• تعرّض الثمار مباشرة للشمس مع ارتفاع الحرارة.
• تذبذب شديد بين الجفاف والري الغزير.

الوقاية:

• الحفاظ على غطاء ورقي جيد حول العناقيد، وعدم إزالة كل الأوراق.
• انتظام الري وتقسيمه على فترات أقصر.
• يمكن استخدام شبك تظليل خفيف (30–40%) في العروات شديدة الحرارة.

3. عفن الطرف الزهري (Blossom-end Rot)

الأعراض:
بقعة مائية في طرف الثمرة المقابل للعُنقود، تتحول إلى بقعة بنية سوداء غائرة.

السبب الرئيسي:
نقص الكالسيوم في الثمار مع وجود تقلبات في الري والملوحة.

العلاج والوقاية:

• انتظام الري ومنع نوبات العطش الشديد.
• إضافة نترات كالسيوم بانتظام في خزان التسميد.
• استخدام رَشّات ورقية بكالسيوم مخلّب في بداية عقد الثمار، وفق التوصيات المسجّلة.

4. الآفات الحشرية المهمة

أ. الذبابة البيضاء والمنّ

• تسبّب ضعفًا عامًا للنبات، وتنقل كثيرًا من الأمراض الفيروسية.
• المكافحة:
  • تركيب مصائد صفراء لاصقة في الحقل أو البيت المحمي.
  • المحافظة على نظافة الحقل من الحشائش.
  • استخدام مبيدات مسجَّلة بالتناوب، مثل المواد الفعالة:
    • إيميداكلوبريد Imidacloprid (مع مراعاة القيود في بلدك).
    • بيميتروزين Pymetrozine.
    • سلفوكسافلور Sulfoxaflor.
  • من الأفضل إدخال المكافحة الحيوية حيث تتوفر (أعداء حيوية أو مستحضرات حيوية).

ب. حافرة أوراق الطماطم (Tuta absoluta)

• من أخطر الآفات في كثير من دول المنطقة.
• الطرق المتكاملة:
  • مصائد فرمونية للتتبّع ثم للمكافحة الكثيفة.
  • إزالة الأوراق والثمار الشديدة الإصابة وحرقها خارج الحقل.
  • استخدام مبيدات حيوية تحتوي على Bacillus thuringiensis (BT) أو سبينوساد Spinosad.
  • في الحالات الشديدة يمكن استخدام مبيدات كيميائية مسجلة (مثل أبامكتين Abamectin أو إندوكساكارب Indoxacarb) مع تبديل المجموعات الكيميائية لتفادي المقاومة، وبالتزام الجرعة الرسمية وفترة الأمان.

تحذير مهم:
لا تستخدم أي مبيد إلا إذا كان مسجلاً في بلدك على الطماطم، واتبِع تعليمات النشرة الفنية بدقة، واستعن بمهندس زراعي موثوق.

ثامنًا: خطة عمل مختصرة لمشروع طماطم في أرض رملية

للتسهيل، إليك تسلسل مبسّط يمكن أن تعتمده لفدان/هكتار تقريبًا:

غسل شبكة التنقيط بالأحماض المناسبة أو مواد التنظيف الموصى بها.

قبل الزراعة بشهر:

تحليل ماء وتربة.

إضافة السماد العضوي والمحسنات (كبريت زراعي + فوسفات)، والحرث الجيد.

تجهيز وتسوية الأرض.

قبل الزراعة بأسبوعين:

تركيب شبكة التنقيط وتجربتها وغسل الخطوط.

تحديد المسافات وخطوط الزراعة.

يوم الشتل:

اختيار شتلات قوية وخالية من الأمراض الفيروسية.

الشتل في ساعات معتدلة (صباحًا أو بعد العصر).

رية خفيفة متقاربة حتى تثبت الشتلات.

من الأسبوع 2 إلى 5:

بدء برنامج تسميد نمو خضري (NPK متوازن + نترات كالسيوم).

إزالة الحشائش أولًا بأول.

تركيب مصائد صفراء ومصائد فرمونية للتوتا.

من بداية التزهير حتى العقد:

تعديل التسميد لرفع البوتاسيوم.

رش عناصر صغرى.

مراقبة الأمراض والآفات والتدخل مبكرًا عند الضرورة.

مرحلة التحجيم والإنتاج:

تكثيف البوتاسيوم والكالسيوم.

تنظيم الري لعدم تشقق الثمار.

جني الثمار على درجات النضج المطلوبة للسوق.

نهاية الموسم:

إزالة بقايا المحصول ونقلها بعيدًا عن المزرعة أو دفنها، لخفض مصدر العدوى للموسم التالي.