مقدمة

يُعدّ البطيخ والشمام من أهم محاصيل الخضر الصيفية في الوطن العربي، وتنجح زراعتهما بشكل ممتاز في الأراضي الرملية الخفيفة بشرط إدارة الري والتسميد بعناية.
في هذا الدليل سنشرح خطوة بخطوة زراعة البطيخ والشمام في الأراضي الرملية الخفيفة من تجهيز الأرض حتى الحصاد، مع التركيز على ظروف المزارع العربي وأهم المشكلات الشائعة مثل الذبول الفيوزاريومي والعمى الزهري.

أولًا: ما مميزات الأراضي الرملية الخفيفة للبطيخ والشمام؟

  • تصريف ممتاز للماء، فتقلّ مشاكل الأعفان والجذور.
  • ترتفع حرارتها بسرعة في الربيع، فتساعد على تبكير المحصول.
  • سهلة الخدمة والحراثة، وتسمح بانتشار الجذور بسهولة.

لكن في المقابل:

  • لا تحتفظ بالماء أو السماد لفترة طويلة → تحتاج ريّات متقاربة وتسميد على جرعات صغيرة متكرّرة.
  • غالبًا فقيرة في المادة العضوية والعناصر الغذائية → تحتاج إضافة سماد عضوي وتسميد معدني منتظم.

ثانيًا: تجهيز الأرض في التربة الرملية

  1. تحليل التربة والماء
    • مهم جدًا قبل البدء لمعرفة الملوحة ودرجة الحموضة (pH) ونقص العناصر.
    • النتائج تساعدك في ضبط كميات الجبس الزراعي، الكبريت، والعناصر الصغرى.
  2. إضافة السماد العضوي
    • يُفضّل استخدام سماد بلدي متحلّل جيدًا أو كمبوست بمعدّل تقريبي:
      • من 20–30 م³ للفدان (أو 40–60 طن/هكتار) حسب خصوبة التربة.
    • يُخلط في الطبقة السطحية (0–25 سم) مع الحراثة لتحسين حفظ الماء والعناصر.
  3. تعديل التربة (حسب التحليل)
    • يمكن استخدام:
      • الكبريت الزراعي لتعديل التربة القلوية نسبيًا.
      • الجبس الزراعي لتحسين بناء التربة وتقليل أثر الملوحة والصوديوم.
    • تُضاف الكميات بناءً على توصية مهندس أو دليل محلي، وليس عشوائيًا.
  4. التخطيط وتركيب شبكة التنقيط
    • تخطيط الأرض على خطوط بعرض 2–2.5 م بين الخطوط (أو الأحواض).
    • مدّ خراطيم التنقيط على منتصف الخط، أو خرطومين إذا كان الخط عريضًا.
    • اختيار نقاطات 3–4 لتر/ساعة، بمسافة 40–50 سم بين النقاطات.

ثالثًا: استخدام الملش البلاستيكي

الملش البلاستيكي (التغطية بالبلاستيك) مهم جدًا في الأراضي الرملية:

فوائد الملش

  • تقليل فقد الماء بالتبخر.
  • تقليل نمو الحشائش.
  • حماية الثمار من ملامسة التربة، فيقلّ تعفّنها.
  • رفع درجة حرارة التربة في بداية الموسم وتحسين النمو.

نوع الملش المفضل

  • في المناطق الحارة: ملش فضي/أسود أو أبيض لامع من الأعلى لعكس الحرارة والحشرات، وأسود من الأسفل لمنع الحشائش.
  • في المناطق الأبرد: يمكن استخدام ملش أسود فقط لرفع حرارة التربة.

طريقة التركيب باختصار

  1. بعد التسوية وتركيب الخراطيم، يُبلّل الخط ريّة خفيفة.
  2. يُفرد الملش على الخط ويُثبت من الجوانب بالتربة.
  3. تُفتح ثقوب الزراعة بالمسافات المطلوبة قبل أو بعد الشتل مباشرة.

رابعًا: مواعيد الزراعة المناسبة

  • عروة ربيعية مبكرة (الأكثر انتشارًا):
    • من أواخر فبراير إلى أوائل أبريل في معظم المناطق الدافئة.
  • عروة صيفية/خريفية مبكرة في المناطق المعتدلة (بعد انكسار شدة الحر).

يفضّل دائمًا الرجوع للتقويم الزراعي في بلدك لأن المواعيد تختلف قليلًا بين دولة وأخرى وبين الساحل والداخل.

خامسًا: الزراعة والمسافات والتطعيم

1. الشتلات

  • يُفضّل استخدام شتلات قوية مُجهَّزة في صواني فوم من مشتل موثوق.
  • في المناطق المصابة بالفيوزاريوم أو ذات ملوحة مرتفعة، من الأفضل استخدام شتلات مطعومة على أصول مقاومة من القرعيات (Cucurbita spp).

2. المسافات

  • البطيخ:
    • المسافة بين النباتات على الخط: 70–90 سم (حسب الصنف وقوة النمو).
    • بين الخطوط: 2–2.5 م.
  • الشمام:
    • المسافة بين النباتات: 50–70 سم.
    • بين الخطوط: 1.8–2 م.

3. خطوات الشتل

  1. ريّ الشبكة قبل الشتل بساعتين تقريبًا.
  2. فتح ثقب في الملش بقطر مناسب.
  3. وضع الشتلة على نفس مستوى سطح التربة (لا تُدفن عميقًا).
  4. كبس التربة حول الجذور برفق، ثم إعطاء ريّة خفيفة بالسمّادة فيها فوسفور عالي للمساعدة على التجدّر.

سادسًا: الري في الأراضي الرملية الخفيفة

مبادئ عامة

  • الري بالتنقيط هو الأنسب، والغمر يسبّب فقدًا كبيرًا في الماء والسماد.
  • التربة الرملية لا تحتفظ بالماء → ريات أقصر ولكن متكرّرة.
  • الأفضل الري صباحًا باكرًا أو مساءً لتقليل الفاقد بالتبخر.

برنامج تقريبي (يُعدّل حسب الطقس ونوع التربة)

  1. بعد الشتل – أول أسبوعين
    • ري يومي أو يوم بعد يوم لمدة 30–60 دقيقة، مع مراقبة رطوبة التربة.
  2. مرحلة النمو الخضري قبل التزهير
    • 3–4 ريات أسبوعيًا، كل ريّة 60–90 دقيقة تقريبًا.
  3. من التزهير وحتى امتلاء الثمار
    • هذه أخطر مرحلة لنقص الماء.
    • قد نصل إلى ريّ يومي في الحر الشديد، مع مدّة 60–120 دقيقة.
  4. قبل الحصاد بأسبوع تقريبًا
    • تقليل الري تدريجيًا لتحسين نسبة السكر وجودة الثمار.

المعيار الأهم: افحص التربة بيدك أسفل النقاطات على عمق 15–20 سم، يجب أن تكون رطبة وليست مشبعة، ولا تُترك لتجف تمامًا.

سابعًا: برنامج تسميد عملي (إرشادي)

الأرقام تقريبية للفدان ويمكن تعديلها حسب تحليل التربة والمحصول المتوقع.

1. التسميد الأرضي قبل الزراعة

  • سماد بلدي متحلل + 150–200 كجم سوبر فوسفات + 50 كجم كبريت زراعي (عند الحاجة).

2. التسميد عبر السمّادة (في شبكة التنقيط)

أ) من الشتل حتى بداية التزهير (نمو خضري)

  • نترات أمونيوم أو يوريا بجرعة يومية صغيرة (مثل 1–1.5 كجم/فدان/يوم).
  • إضافة فوسفور (حمض فوسفوريك أو MAP) بمعدل 0.5–1 كجم/يوم في أول 2–3 أسابيع.
  • جرعة بوتاسيوم خفيفة (سلفات بوتاسيوم).

ب) من التزهير والعقد حتى امتلاء الثمار

  • زيادة البوتاسيوم (سلفات بوتاسيوم) ليصل تقريبًا إلى نفس أو أعلى من الآزوت.
  • الاستمرار بجرعة متوسطة من الآزوت، مع تقليل الفوسفور.
  • رش عناصر صغرى (حديد، زنك، منغنيز، بورون) برشات ورقية كل 15–20 يومًا باستخدام خليط جاهز مرخّص.

ج) قبل الحصاد

  • التركيز أكثر على البوتاسيوم والكالسيوم لتحسين صلابة القشرة وجودة النقل.
  • تقليل الآزوت لتجنّب زيادة النمو الخضري على حساب الحلاوة.

مهم: قسّم التسميد على عدد الريات في الأسبوع، ولا تضخّ جرعات كبيرة دفعة واحدة في التربة الرملية.

ثامنًا: إدارة الحرارة العالية وحماية النباتات

  • استخدام مصائد هوائية بين الخطوط لتسهيل حركة الهواء.
  • الحفاظ على غطاء ورقي كافٍ لتظليل الثمار، وعدم المبالغة في التقليم.
  • يمكن تركيب شبك تظليل خفيف (30–35%) فوق الأحواض في المناطق شديدة الحرارة، خصوصًا في المراحل الأولى.
  • الري صباحًا باكرًا، وتجنّب الري ظهرًا في ذروة الحرارة.
  • تغطية الثمار المعرضة للشمس المباشرة بقطع كرتون نظيف أو جزء من النبات لمنع لفحة الشمس.

تاسعًا: التطعيم على أصول مقاومة – متى يفيد؟

  • في الأراضي المصابة بفيوزاريوم أو ذات ملوحة متوسطة، يفيد جدًا استخدام شتلات مطعومة.
  • الأصول الشائعة تكون من أنواع القرعيات ذات جذور قوية ومقاومة لأمراض التربة والملوحة.
  • التطعيم يقلّل:
    • الذبول الفيوزاريومي
    • تدهور النباتات المبكر
    • ويزيد عمر النبات وإنتاجيته.

رغم أن تكلفة الشتلات المطعومة أعلى، إلا أن فرق الإنتاجية وجودة المحصول عادةً يعوّض ذلك في الأنظمة التجارية.

عاشرًا: أهم الأمراض والمشاكل في البطيخ والشمام على التربة الرملية

1. الذبول الفيوزاريومي

الأعراض:

  • اصفرار وذبول جانب واحد من النبات.
  • ذبول دائم رغم وجود رطوبة كافية.
  • عند قطع الساق طولياً، يُرى تلون بني في الأوعية.

الإدارة:

  • استخدام أصناف وشتلات مطعومة مقاومة للفيوزاريوم.
  • اتباع دورة زراعية لا تقل عن 3–4 سنوات بعيدًا عن البطيخ والشمام وباقي القرعيات.
  • تعقيم أو شمسنة التربة في الصيف قبل الزراعة (تغطية بلاستيك شفاف 4–6 أسابيع مع رطوبة جيدة).
  • التخلص من النباتات المصابة خارج الحقل وعدم رعيها أو تركها على التربة.
  • المحافظة على صرف جيد وعدم المبالغة في الري.
  • في الحالات الشديدة يمكن استخدام مبيد فطري جهازي مسجّل لمكافحة أمراض التربة في القرعيات، بعد استشارة مهندس زراعي واتباع الملصق بدقة.

2. العمى الزهري (فشل الإزهار أو العقد)

الأسباب الشائعة:

  • زيادة التسميد الآزوتي مع نقص البوتاسيوم والعناصر الصغرى (خاصة البورون).
  • تعرّض النباتات لإجهاد حراري شديد أو عطش/تغريق في فترة التزهير.
  • نقص التلقيح أو غياب نشاط النحل.
  • استعمال مبيدات حشرية قوية أثناء فترة نشاط الحشرات النافعة.

الإجراءات التصحيحية:

  • تعديل برنامج التسميد:
    • تقليل الآزوت.
    • رفع البوتاسيوم.
    • رش عناصر صغرى تحتوي على بورون وزنك بجرعة مناسبة.
  • تحسين انتظام الري وتجنّب الإجهاد.
  • تشجيع وجود نحل العسل وعدم رش مبيدات في فترة الصباح أثناء نشاطه.
  • اختيار أصناف مناسبة لدرجة حرارة المنطقة.

3. الأمراض الفطرية والآفات الحشرية الأخرى

أمراض شائعة

  • البياض الدقيقي
  • البياض الزغبي
  • الأنثراكنوز وأعفان الأوراق والثمار

الإدارة العامة:

  • تهوية جيدة وتقليل الرطوبة العالية حول النباتات.
  • عدم بلّ الأوراق مباشرة بالماء قدر الإمكان.
  • إزالة الأوراق الشديدة الإصابة.
  • رش وقائي بمبيدات فطرية مسجّلة (مثل مركبات الكبريت الميكروني أو النحاس وبعض المبيدات الجهازية)، مع الالتزام بفترة الأمان قبل الحصاد وبإرشاد مهندس مختص.

الآفات الحشرية

  • المن، الذبابة البيضاء، العنكبوت الأحمر، دودة ورق القطن وغير ذلك.

مكافحتها:

  • مصائد لاصقة صفراء لمراقبة الآفات وتقليل أعدادها.
  • الحفاظ على الأعداء الحيوية قدر الإمكان.
  • استخدام زيوت معدنية صيفية خفيفة أو صابون زراعي في البدايات.
  • عند الحاجة فقط، يُستخدم مبيد حشري مسجّل لنفس الآفة وبجرعاته الموصى بها.

الحصاد ومؤشرات النضج

في البطيخ

  • جفاف المحلاق المقابل لعنق الثمرة.
  • تغيّر لون البقعة الملامسة للأرض إلى الأصفر الكريمي.
  • تغيّر رنّة الثمرة عند الطرق عليها (صوت أجوف عميق).

في الشمام

  • تشقّق بسيط عند منطقة اتصال العنق بالنبات (يُعرف بـ “الانفصال الطبيعي”).
  • ظهور رائحة عطرية واضحة حول الثمرة.
  • تغيّر لون القشرة حسب الصنف (غالبًا إلى الأصفر أو الكريمي).

يُفضّل الحصاد في الصباح الباكر، ووضع الثمار في مكان مظلّل وبارد نسبيًا لحين التسويق.

نصائح ختامية لنجاح زراعة البطيخ والشمام في التربة الرملية

  • لا تبدأ المشروع قبل تحليل التربة والماء.
  • اعتبر السماد العضوي حجر الأساس لتحسين التربة الرملية.
  • قسّم التسميد على ريات صغيرة متكرّرة بدل دفعات كبيرة متباعدة.
  • راقب النباتات باستمرار؛ فالاكتشاف المبكر لأي مشكلة أسهل وأرخص في الحل.
  • في الأراضي الموبوءة بالفيوزاريوم أو ذات ملوحة مرتفعة، فكّر جدّيًا في الشتلات المطعومة.