في كثير من المزارع نُركّز على نوع السماد ونظام الري، لكن ننسى “الوسيط” الذي يجمع بينهما: التربة.
إذا كانت التربة فقيرة بالمادة العضوية، ضعيفة البنية، سريعة الجفاف أو سيئة الصرف؛ فلن نستفيد من الماء ولا من السماد كما يجب، مهما كانت جودتهما.
هنا يأتي دور المادة العضوية والكمبوست كأداة أساسية لتحسين:
- قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء
- كفاءة استخدام الأسمدة
- صحة الجذور ونشاط الكائنات الحية الدقيقة
في هذا المقال نشرح بشكل مبسّط وعملي دور المادة العضوية والكمبوست في رفع كفاءة الري والتسميد، مع أمثلة تناسب ظروف المزارع في الوطن العربي.
أولًا: ما هي المادة العضوية والكمبوست؟
المادة العضوية في التربة
هي بقايا الكائنات الحية (نباتات، جذور متحلّلة، كائنات دقيقة، روث… إلخ) بعد تحللها جزئيًا أو كليًا داخل التربة.
وجودها:
- يحسّن بنية التربة
- يزيد من قدرتها على الاحتفاظ بالماء والعناصر الغذائية
الكمبوست
الكمبوست هو سماد عضوي مُعَدّ ومخمّر بطريقة علمية، من مخاليط مثل:
- بقايا المحاصيل
- روث حيواني
- نشارة خشب أو قش
- مواد عضوية أخرى
يُترك ليتحلّل تحت ظروف مسيطَر عليها (رطوبة، تهوية، تقليب)، حتى يتحوّل إلى مادة داكنة، مفككة، عديمة الرائحة الكريهة تقريبًا، يمكن إضافتها للتربة بأمان نسبيًا.
الكمبوست الجيد هو مصدر للمادة العضوية + مصدر للعناصر الغذائية في نفس الوقت.
ثانيًا: كيف ترفع المادة العضوية من قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء؟
1. تحسين بناء التربة (التركيب البنيوي)
في كثير من أراضي الوطن العربي نجد نوعين شائعين:
- أراضٍ رملية: سريعة الجفاف وضعيفة في الاحتفاظ بالماء.
- أراضٍ طينية أو كلسية: تتماسك بشدة، تشققات عند الجفاف، وتحوّل لكتل صلبة بعد الري.
إضافة المادة العضوية والكمبوست تساعد في:
- ربط حبيبات التربة الدقيقة (في الأراضي الطينية) في تجمعات (Aggregates) تسمح بمرور الهواء والماء.
- ملء الفراغات الكبيرة جدًا (في الأراضي الرملية) بمادة إسفنجية نسبية تحتفظ بالماء لفترة أطول.
النتيجة:
تربة أكثر توازنًا؛ لا تجف بسرعة شديدة، ولا تحتبس الماء لدرجة اختناق الجذور.
2. زيادة السعة التشبعية للماء (مثل الإسفنج)
المادة العضوية تعمل في التربة تقريبًا كالإسفنج:
- تمتص الماء أثناء الري.
- تحافظ على جزء منه متاحًا للنبات بين رية وأخرى.
هذا يعني أنه:
- يمكن تقليل عدد الريّات (أو على الأقل زيادة الفاصل بين الريات قليلًا).
- يقلّ الإجهاد المائي على النبات وقت الحر الشديد أو تأخر الري لسبب ما.
3. تحسين حركة الماء في قطاع التربة
في التربة الطينية الثقيلة:
- يساعد وجود مادة عضوية على تحسين نفاذية الماء داخل التربة.
- يقلل من ظاهرة ركود الماء فوق السطح، وبالتالي يقلّ خطر تعفن الجذور.
ثالثًا: كيف تزيد المادة العضوية من كفاءة استخدام الأسمدة؟
1. تحسين “سعة التبادل الكاتيوني” (CEC)
المادة العضوية لها قدرة عالية على مسك الأيونات الغذائية (مثل البوتاسيوم، الكالسيوم، المغنيسيوم…) على سطحها، بدل أن تُغسَل مع مياه الري إلى أسفل بعيدًا عن الجذور.
هذا يعني:
- تقليل الفاقد من السماد بالغسيل، خاصة في الأراضي الرملية.
- بقاء العناصر في منطقة الجذور لفترة أطول، ما يرفع كفاءة استخدام السماد.
2. إطلاق العناصر الغذائية تدريجيًا
الكمبوست والمادة العضوية لا تعطينا السماد دفعة واحدة، بل:
- تتحلل ببطء
- وتطلق النيتروجين والفوسفور والكبريت وبعض العناصر الصغرى تدريجيًا
بهذا:
- تعمل كـ “مخزن” غذائي طويل الأمد.
- تساعد في تغذية النبات بين ريات التسميد الكيميائي أو عند نقصه.
3. تنشيط الكائنات الحية الدقيقة النافعة
المادة العضوية هي غذاء للكائنات الدقيقة في التربة (بكتيريا، فطريات نافعة…).
هذه الكائنات:
- تساعد في تحليل بقايا السماد وإتاحته للنبات.
- تذيب بعض صور الفوسفور والعناصر الصغرى صعبة الذوبان.
- تفرز أحماضًا عضوية تحسّن ذوبان العناصر وتركيب التربة.
4. تقليل الآثار السلبية لبعض الأملاح
في الترب المتأثرة بالملوحة أو نسب عالية من الصوديوم، تساعد المادة العضوية على:
- تحسين نفاذية التربة،
- وزيادة قدرة التربة على “تحمّل” نسب معيّنة من الأملاح دون انهيار بناء التربة بالكامل.
رابعًا: أمثلة عملية لاستخدام الكمبوست في الحقول الخضرية
الأرقام التالية إرشادية تقريبية، وتُعدّل حسب نوع التربة والمحصول وشدة فقر التربة بالمادة العضوية، ويفضّل دائمًا استشارة مختص محلي.
1) في حقول الخضار (طماطم، خيار، كوسة، باذنجان…)
قبل الزراعة (تجهيز الأرض)
- إضافة 2–4 طن كمبوست متحلّل جيدًا لكل دونم (1000 م²)،
أو ما يعادل تقريبًا 20–40 طن/هكتار. - يُفرش الكمبوست على سطح التربة، ثم يُخلط مع العمق السطحي (20–30 سم) بواسطة الحرث الجيد.
الفائدة:
- تحسين بنية التربة قبل تركيب شبكة الري بالتنقيط.
- زيادة احتفاظ التربة بالماء.
- تكوين بيئة مناسبة للجذور منذ البداية.
أثناء الموسم
- يمكن وضع كمبوست إضافي خفيف حول النباتات أو بين الخطوط عند الخدمة، خاصة في المحاصيل طويلة الموسم.
- في أنظمة الري بالتنقيط:
- يمكن فرش طبقة رقيقة من الكمبوست حول خط التنقيط تحت الملش البلاستيكي (إن استُخدم) لتحسين منطقة الجذور مباشرة.
خامسًا: أمثلة عملية لاستخدام الكمبوست في البساتين (الأشجار المثمرة)
1) أشجار صغيرة ومتوسطة العمر
- إضافة 5–10 كجم كمبوست متحلّل لكل شجرة في العام كمتوسط للأشجار الصغيرة والمتوسطة.
- يُضاف في حوض حول الشجرة (في منطقة انتشار الجذور النشطة)، ثم يُغطّى بطبقة خفيفة من التربة أو يُحرث حرثًا سطحيًا.
2) أشجار كبيرة (قديمة)
- يمكن أن تصل الكمية إلى 15–20 كجم أو أكثر لكل شجرة في العام حسب حجم الشجرة وحالة التربة.
- تُوزع في شريط أو حزام حول محيط ظل الشجرة (وليس ملاصقًا للجذع مباشرة)، ثم تُسقى جيدًا.
توقيت الإضافة
- في كثير من الحالات يكون التوقيت المناسب:
- إما قبل بداية موسم النمو (نهاية الشتاء/بداية الربيع)،
- أو بعد جني المحصول مع بداية تجهيز الموسم التالي.
سادسًا: كيف ينعكس ذلك على برنامج الري والتسميد عمليًا؟
1. على مستوى الري
بعد عدة مواسم من إضافة المادة العضوية والكمبوست:
- يبدأ المزارع بملاحظة أن التربة لا تجف بسرعة كما كانت من قبل.
- يمكنه:
- تقليل عدد الريات قليلًا،
- أو تقليل زمن كل رية مع الحفاظ على نفس مستوى الرطوبة حول الجذور.
هذا يعني:
- توفير نسبي في مياه الري.
- تقليل الإجهاد على النباتات في فترات الحر أو عند تأخر الري.
2. على مستوى التسميد
مع تحسّن خصوبة التربة وزيادة المادة العضوية:
- يمكن تقليل جرعات بعض الأسمدة الكيميائية بشكل تدريجي (خاصة الفوسفور في الأراضي التي تراكَم فيها عبر السنين).
- تتحسن استجابة النبات لبرامج التسميد مع مياه الري (الري السمّادي)، لأن:
- التربة أصبحت أكثر قدرة على مسك العناصر،
- والجذور أكثر نشاطًا في بيئة جيدة التهوية والرطوبة.
سابعًا: نقاط يجب الانتباه لها عند استخدام الكمبوست
- يجب أن يكون الكمبوست متحلّلًا جيدًا
- لا رائحة أمونيا أو تعفّن قوي.
- لا بقايا لحوم أو مواد خطرة.
- حرارة الكومبوست مستقرة (ليس ساخنًا جدًا).
- تجنّب الاستخدام المبالغ فيه دفعة واحدة
- الكثرة الشديدة دون تخطيط قد تؤثر في تهوية التربة أو ترفع ملوحة التربة إذا كان الكمبوست سيئ الجودة.
- الحذر من بذور الحشائش
- الكمبوست غير الجيد قد يحمل معه بذور حشائش أو مسببات أمراض.
- لذلك يُفضّل الاعتماد على مصادر موثوقة، أو إعداد الكمبوست في المزرعة باتّباع خطوات صحيحة.
- الاستمرار والتدرّج
- تحسين التربة بالمادة العضوية عملية تراكمية؛
- إضافة كمبوست جيد كل موسم أو كل عام يعطي نتائج واضحة خلال 2–3 مواسم، وليس من أول إضافة فقط.
خاتمة
المادة العضوية والكمبوست ليست “ترفًا زراعيًا”، بل هي أساس لنجاح الري والتسميد معًا.
- ترفع قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء،
- تقلل الفاقد من السماد بالغسيل،
- تحسّن بيئة الجذور،
- وتنشّط الكائنات الدقيقة التي تجعل التربة “حية” وليست مجرد وسط جامد.
المزارع الذي يجعل إضافة الكمبوست والمادة العضوية عادة ثابتة في مشروعه، يضمن على المدى البعيد:
ونباتات أقوى ومحصولًا أفضل بإذن الله.
كفاءة أعلى في استخدام المياه والأسمدة،
وتربة أكثر صحة،