1. مقدمة: ما هي حُمّى الحليب ولماذا تُعد خطيرة؟

حُمّى الحليب أو نقص الكالسيوم حول الولادة حالة تصيب الأبقار الحلوب عالية الإنتاج، خاصة في الأيام الأولى بعد الولادة.
عند بداية الإدرار، يرتفع خروج الكالسيوم في اللبن بشكل مفاجئ، لذلك يواجه جسم البقرة صعوبة في تعويض هذا الفقد السريع.

إذا لم يستطع الجسم المحافظة على مستوى الكالسيوم في الدم، تنخفض النسبة بشدة، فيظهر:

  • ضعف عام وشلل جزئي أو كامل.
  • اضطراب في الوعي والدورة الدموية.
  • زيادة احتمال إصابات أخرى مثل احتباس المشيمة، التواء المعدة، والتهاب الضرع.

لهذا السبب تعتبر حُمّى الحليب مرضًا طارئًا يحتاج إلى تدخل سريع، وفي الوقت نفسه يمكن للمربي أن يقلل حدوثه كثيرًا من خلال التغذية السليمة قبل الولادة.

2. كيف يحدث نقص الكالسيوم حول الولادة؟

خلال فترة الجفاف يحصل جسم البقرة على احتياجاته البسيطة من الكالسيوم من العلف.
ثم، مع الولادة وبداية الإدرار، يقفز خروج الكالسيوم في اللبن من نحو 10 غرامات يوميًا إلى أكثر من 30 غرامًا في حالات الإنتاج العالي.

حتى يتعامل الجسم مع هذه القفزة، يجب أن:

  1. يزيد امتصاص الكالسيوم من الأمعاء.
  2. يسحب الكالسيوم المخزون في العظام.

يقود هذين المسارين هرمون الغدة جار الدرقية (PTH) وفيتامين D.
لكن عندما تعاني البقرة من قلوية أيضية، أو تتناول عليقة غنية بالبوتاسيوم والصوديوم، تستجيب مستقبلات هذا الهرمون بشكل أضعف، فيتعطل تنظيم الكالسيوم، وتنخفض نسبته في الدم إلى أقل من الحدود الطبيعية بكثير.

3. الأبقار الأكثر عرضة للإصابة

لا تصيب حُمّى الحليب جميع الأبقار بنفس الدرجة. ترتفع الخطورة في الحالات الآتية:

  • أبقار في الولادة الثالثة فما فوق.
  • السلالات عالية الإنتاج مثل الهولشتاين وبعض سلالات الألبان الملونة.
  • الأبقار السمينة في نهاية فترة الجفاف.
  • العلائق الغنية بالكالسيوم أو البوتاسيوم قبل الولادة.
  • نقص الحركة، أو ضعف إدارة الفترة الانتقالية (من ثلاثة أسابيع قبل الولادة إلى ثلاثة أسابيع بعدها).

معرفة هذه العوامل تساعد المربي على التركيز في الوقاية على الأبقار الأعلى خطورة.

4. المراحل السريرية لحمّى الحليب

يقسم الأطباء حُمّى الحليب غالبًا إلى ثلاث مراحل متتابعة:

المرحلة الأولى: بداية الأزمة

في هذه المرحلة ما زالت البقرة واقفة وقادرة على الحركة، لكن تظهر عليها علامات واضحة، منها:

  • توتر زائد وقلق.
  • رعشة خفيفة في العضلات، خاصة حول الكتف والخلفية.
  • ترنّح بسيط في المشي.
  • حركات غير طبيعية للرأس والأذنين.

في هذه المرحلة يستطيع الطبيب أن يسيطر على الحالة بسرعة باستخدام تطعيم الكالسيوم عن طريق الفم، لذلك ينصح المربي بالاتصال السريع بالطبيب وعدم الانتظار.

المرحلة الثانية: الرقود مع وعي جزئي

إذا لم تتلقَّ البقرة علاجًا مناسبًا، تنتقل إلى مرحلة أكثر خطورة:

  • ترقد البقرة على صدرها، ولا تستطيع الوقوف.
  • تبدو خاملة، قليلة الاستجابة لما حولها.
  • حرارة الجسم تنخفض، والأطراف تصبح باردة.
  • النبض سريع وضعيف، وأصوات القلب أقل وضوحًا.
  • البطن ينتفخ بسبب توقف حركة الكرش، ويختل عمل الأمعاء والمثانة.

كثير من الأبقار في هذه المرحلة تثني رقبتها ليصبح الرأس قريبًا من الخاصرة، وهي علامة مميزة وشائعة.

المرحلة الثالثة: رقود كامل وغيبوبة

في هذه المرحلة تصبح حياة البقرة في خطر حقيقي:

  • ترقد البقرة على جانبها ولا تستطيع الحفاظ على وضع الاستلقاء الصدري.
  • تختفي معظم الاستجابات، وتبدو في حالة شبه غيبوبة.
  • يزداد انتفاخ البطن، ويضعف النبض أكثر فأكثر.
  • قد تموت البقرة خلال ساعات قليلة إذا لم تحصل على علاج طارئ.

5. كيف نميّز حُمّى الحليب عن أمراض أخرى؟

أحيانًا يرقد الحيوان بعد الولادة لأسباب أخرى، مثل:

  • التهاب رحم أو ضرع تسممي.
  • كسور الحوض أو خلع مفصل الفخذ.
  • إصابة الأعصاب وقت الولادة.
  • التهابات عامة شديدة.

لذلك يعتمد الطبيب على:

  • توقيت ظهور الأعراض (غالبًا خلال 24–72 ساعة بعد الولادة).
  • الصورة الإكلينيكية المميزة لحمّى الحليب.
  • الاستجابة السريعة للكالسيوم الوريدي؛ فإذا وقفت البقرة خلال وقت قصير بعد الحقن، يؤكد ذلك التشخيص بدرجة كبيرة.

6. علاج حُمّى الحليب في الأبقار

ينقسم العلاج إلى شقين رئيسيين: تصحيح نقص الكالسيوم ثم منع الانتكاس.

6.1 علاج الحالات الخفيفة (المرحلة الأولى)

عندما تبقى البقرة واقفة وقادرة على البلع، يستطيع الطبيب استخدام مكمّلات الكالسيوم الفموية على شكل:

  • كبسولات أو بلّيعــات جاهزة.
  • أو محاليل فموية مخصصة لهذا الغرض.

يفضل الأطباء غالبًا المصادر الحامضية للكالسيوم مثل كلوريد الكالسيوم أو كبريتات الكالسيوم، لأن هذه المصادر:

  • تُمتص بسرعة من الأمعاء.
  • ترفع فاعلية هرمون PTH.
  • تدعم قدرة الجسم على سحب الكالسيوم من العظام.

جرعة فموية واحدة تحتوي عادة على 40–55 غرامًا من الكالسيوم العنصري، وتكافئ تقريبًا 4 غرامات من الكالسيوم الوريدي.

6.2 علاج الحالات المتوسطة والشديدة (المرحلتان الثانية والثالثة)

عندما ترقد البقرة ولا تستطيع الوقوف، لا يكفي العلاج الفموي، ويحتاج الطبيب إلى:

  1. حقن محلول كالسيوم جلوكونات في الوريد ببطء خلال 10–20 دقيقة، مع مراقبة النبض والقلب بالسماعة.
  2. غالبًا يستخدم الطبيب زجاجة 500 مل من محلول تركيزه 23٪، وهي جرعة تحتوي على نحو 10–11 غرامًا من الكالسيوم.

أثناء التسريب يتحسن النبض، ثم تبدأ البقرة في تحريك رأسها وأطرافها، وبعد ذلك تحاول الوقوف.
حوالي 70–75٪ من الأبقار تستطيع الوقوف خلال ساعتين إذا لم يكن لديها ضرر عصبي أو عضلي سابق.

مع ذلك، يجب الحذر؛ فجرعة الكالسيوم الوريدية ترفع الكالسيوم في الدم فوق الطبيعي مؤقتًا، وهذا قد يسبب:

  • اضطرابًا في نبض القلب.
  • أو موتًا مفاجئًا إذا حُقِن المحلول بسرعة شديدة.

لذلك يحقن الطبيب المحلول ببطء، ويوقفه فورًا إذا لاحظ بطئًا شديدًا في القلب أو عدم انتظام واضح في النبض.

7. منع انتكاس الحالة بعد العلاج

بعد نجاح العلاج الوريدي، تظل البقرة معرضة لعودة نقص الكالسيوم خلال 12–24 ساعة، لأن الكالسيوم المرتفع مؤقتًا يوقف إفراز هرمون PTH لفترة قصيرة.

لمواجهة ذلك يحتاج الطبيب إلى:

  1. إعطاء بلّيعــات كالسيوم فموية بعد أن تقف البقرة وتستعيد القدرة على البلع.
  2. يمكن تكرار الجرعة مرة أو مرتين بفاصل 12–24 ساعة حسب تقييم الطبيب.

وفي بعض المزارع يستخدم الطبيب حقن الكالسيوم تحت الجلد في أكثر من موضع، ولكنه يطبّق ذلك بحذر شديد بسبب احتمال تهيّج الأنسجة وحدوث التهابات موضعية.

8. كيف نقي القطيع من حُمّى الحليب؟

الوقاية تبدأ قبل الولادة بأسابيع، وتركز على تغذية الأبقار الجافة وإدارة الفترة الانتقالية.

8.1 الحمية الحامضية (الحمية السالبة DCAD)

تُعَد الحمية الحامضية أفضل وسيلة علمية حتى الآن:

  • يضع أخصائي التغذية عليقة جافة تحتوي على توازن كاتيوني–أنيوني سالب (DCAD) بين –50 و –150 ملي مكافئ/كغ مادة جافة.
  • يحقق ذلك بتقليل الصوديوم والبوتاسيوم في العليقة، وزيادة الكلور والكبريت من خلال أملاح مثل:
    • كلوريد الكالسيوم
    • كبريتات الكالسيوم
    • كلوريد المغنيسيوم
    • كبريتات المغنيسيوم

هذه الحمية تسبب حُماضًا أيضيًّا بسيطًا ومتعوِّضًا، فيتحسن امتصاص الكالسيوم، ويزداد استعداد العظام لإطلاقه عند بداية الإدرار.

لمتابعة نجاح الحمية يقيس المربي أو الطبيب درجة حموضة البول (pH) مرتين أسبوعيًّا تقريبًا:

  • الهدف أن يدور المتوسط حول 6.0–6.5.
  • رقم أقل من 5.5 يعني حموضة زائدة تحتاج إلى تقليل أملاح الحمية الحامضية.
  • رقم أعلى من 7.5 يعني قلوية واضحة وعدم كفاية الحماية ضد حُمّى الحليب.

8.2 جرعات وقائية من الكالسيوم حول الولادة

إضافةً إلى الحمية الحامضية يمكن للمربي، بالتنسيق مع الطبيب البيطري، أن يطبّق جرعات وقائية فموية من الكالسيوم للأبقار عالية الخطورة:

  • جرعة قبل الولادة مباشرة عندما يلاحظ علامات قرب الولادة.
  • جرعة أخرى بعد 12–24 ساعة من الولادة.
  • أحيانًا جرعة ثالثة بعد يوم إضافي للأبقار المعرضة بشدة.

هذه الخطة تقلل نسبة الحالات السريرية وتخفف أيضًا من نقص الكالسيوم تحت السريري الذي لا يظهر بأعراض واضحة، لكنه يؤثر في الخصوبة والمناعة.

8.3 ملاحظات تغذوية وإدارية أخرى

  • تجنّب علائق جافة غنية بالبروتين الذائب والبوتاسيوم (مثل بعض أنواع الدريس الأخضر) خلال الأسابيع الثلاثة قبل الولادة.
  • الحفاظ على حالة جسم معتدلة للبقرة في نهاية فترة الجفاف؛ فالسمنة المفرطة تزيد مشكلات ما بعد الولادة.
  • توفير مساحة كافية للرقاد والحركة، وتقليل التزاحم في حظيرة ما قبل الولادة.
  • متابعة استهلاك العلف يوميًّا؛ لأن انخفاض الاستهلاك مؤشر مبكر على خلل في الحمية الحامضية أو على مرض آخر.

9. رسائل عملية للمربي

دوّن حالات حُمّى الحليب في سجلات القطيع؛ ارتفاع النسبة يعني ضرورة مراجعة برنامج التغذية والإدارة الانتقالية.

راقب أبقارك في الأيام الأولى بعد الولادة؛ أي رقود غير طبيعي يستدعي اتصالًا سريعًا بالطبيب.

طبّق حمية حامضية مدروسة للأبقار الجافة عالية الخطورة قبل الولادة بثلاثة أسابيع تقريبًا، مع متابعة pH البول بانتظام.

استخدم بلّيعــات الكالسيوم الفموية للأبقار التي ولدت حديثًا، خاصة في الولادة الثالثة وما بعدها.