تغذية الماعز ليست “تفصيلًا جانبيًا”، بل هي الأساس الذي تُبنى عليه النمو والخصوبة والإنتاج والمناعة. لذلك، عندما تكون العليقة متوازنة ومقدَّمة بطريقة صحيحة، يتحسن أداء القطيع وتقل المشكلات، بما فيها الطفيليات الداخلية واضطرابات الهضم. وفي المقابل، فإن سوء التغذية (نقصًا أو إفراطًا) يفتح الباب لخسائر متكررة: هزال، ضعف إنتاج، نفوق صغار، وعلاجات لا تنتهي.
ومع أن “الوصفة الواحدة” لا تناسب كل المزارع، إلا أن هناك قواعد ثابتة يمكن تطبيقها في أي نظام تربية، ثم تُعدَّل التفاصيل حسب البيئة وجودة الأعلاف المتاحة.
1) القاعدة الذهبية في تغذية الماعز
لكي تكون خطة التغذية ناجحة، احرص يوميًا على ثلاثة أركان:
- ماء نظيف ومتاح دائمًا
- علف خشن جيد الجودة (مرعى/دريس/سيلاج)
- مكملات معدنية وفيتامينية مناسبة
وبذلك تضمن الحد الأدنى من الاستقرار الصحي، ثم تضيف “الطاقة والبروتين” عند الحاجة بحسب المرحلة الإنتاجية.
2) الماء: عنصر منسي… لكنه يرفع الإنتاج مباشرة
قد يتحمّل الماعز نقص الماء لفترات أطول من غيره، ولكن الإنتاج يتحسن عندما لا يُقيَّد الماء. لذلك:
- وفّر ماءً نظيفًا ومتجددًا على مدار اليوم.
- اجعل المشارب قريبة وسهلة الوصول لتقليل التزاحم.
- راقب الاستهلاك؛ لأن الحاجة تزيد مع الحرارة، والنمو، والحمل، والرضاعة.
- بالإضافة إلى ذلك، افحص جودة الماء إذا كانت ملوحته/معادنه مرتفعة؛ لأن الماء قد يغيّر توازن المعادن في العليقة.
ملاحظة عملية: انخفاض شرب الماء غالبًا يسبق انخفاض الأكل، ثم يظهر بعدها تراجع النمو أو الحليب.
3) العلف الخشن هو الأساس… وليس مجرد “حشو”
بما أن الماعز من المجترات، فهو يحتاج إلى علف خشن جيد؛ لأن الكرش يعتمد على الألياف ليعمل بصورة طبيعية. لذلك اختر:
- دريسًا نظيفًا خالٍ من العفن
- أعلافًا غير متسخة بالتراب أو الروث
- أعلافًا “ناضجة باعتدال”؛ لأن النضج الزائد يرفع الألياف غير القابلة للهضم ويقلل الاستهلاك
ومن ناحية أخرى، كلما ارتفعت الألياف (خصوصًا NDF) في العلف، قلّت الكمية التي يأكلها الماعز. لذلك لا يكفي أن يكون العلف “موجودًا”، بل يجب أن يكون قابلًا للاستهلاك ومغذيًا.
4) كم يأكل الماعز؟ وما الذي يتغير مع الحمل والرضاعة؟
بشكل عام، يستهلك الماعز تقريبًا 1.8%–2% من وزن الجسم مادة جافة يوميًا. ومع ذلك، تتغير الاحتياجات كثيرًا حسب المرحلة:
احتياجات تقريبية بحسب الحالة
| الحالة | بروتين خام (CP) | طاقة (TDN) |
|---|---|---|
| صيانة/حياة عادية | 7%–9% | ~50% |
| حمل متأخر / رضاعة / نمو صغار | حتى 16% | حتى 70% |
وبالتالي، فإن نفس العليقة التي تناسب معزة غير منتجة قد لا تكفي لمعزة في أواخر الحمل أو بداية الإدرار.
5) متى نضيف الحبوب أو المركزات؟ وكيف نتجنب الأخطاء؟
الأصل أن يكون العلف الخشن هو القاعدة. ومع ذلك، قد تحتاج بعض الحالات إلى طاقة إضافية، خصوصًا:
- أواخر الحمل (خصوصًا عند تعدد الأجنة)
- بداية الرضاعة
- الصغار سريعة النمو
هنا يمكن إضافة:
- ألياف متخمرة مثل لبّ البنجر أو قشور الصويا
- أو حبوب/مركزات بكمية مدروسة
أما الأهم فهو “كيف” تقدمها:
- قدّم الزيادة بالتدرّج وليس دفعة واحدة.
- وزّع المركزات على وجبات، بدل وجبة كبيرة واحدة.
- ولا تجعل الحبوب “بديلًا” عن العلف الخشن؛ لأن ذلك يسبب اضطرابات كرشية.
مثال إرشادي: معزة في أواخر الحمل أو بداية الرضاعة قد تحتاج تقريبًا 0.45–0.9 كجم حبوب يوميًا إذا كان الدريس جيدًا، بينما قد لا تحتاج معزة غير منتجة لأي حبوب أصلًا.
6) المعادن: نقص “صامت” يكلّف كثيرًا
حتى لو كان العلف جيدًا، قد تظهر خسائر بسبب خلل المعادن. لذلك انتبه إلى نوعين:
أ) المعادن الكبرى (Macrominerals)
مثل الكالسيوم والفوسفور والبوتاسيوم والمغنيسيوم. والهدف عادة تحقيق توازنات مهمة، مثل:
- كالسيوم : فوسفور ≈ 2 : 1
- بوتاسيوم : مغنيسيوم ≈ 4 : 1
ب) العناصر الصغرى (Trace minerals)
مثل النحاس والسيلينيوم والزنك والكوبالت… وهي تتأثر كثيرًا بالبيئة وجودة الماء والعلف. علاوة على ذلك، بعض العناصر تتنافس على الامتصاص؛ لذلك قد تكون “النِّسب” أحيانًا أهم من الكمية وحدها.
طريقة تقديم المعادن
- الأفضل غالبًا: أملاح ومعادن سائبة (Loose minerals) وليست بلوكات.
- وإذا كانت المعادن “حرة الاختيار”، فضعها بعيدًا عن مصادر الملح الأخرى؛ لأن وجود ملح إضافي قد يقلل استهلاك خلطة المعادن.
تنبيه: إعطاء مكملات النحاس المركّزة أو “البلعات” يجب أن يكون بحذر شديد وتحت إشراف؛ لأن الإفراط قد يسبب مشكلات.
7) أخطاء تغذوية شائعة تُضعف القطيع
لكي تتجنب نزيف الخسائر، انتبه لهذه الأخطاء المتكررة:
- تقديم العلف على الأرض داخل الحظيرة (تلوث + فقد)
- تقليل الماء أو تركه متسخًا (هبوط إنتاج سريع)
- رفع الحبوب فجأة (حماض + نفاخ + إسهال)
- الاعتماد على مركزات لتعويض دريس ضعيف (يزيد المرض بدل أن يحل المشكلة)
- إهمال المعادن والفيتامينات (نقص خصوبة ومناعة ونمو)
8) أهم أمراض الماعز المرتبطة بالتغذية وكيف تقللها
هنا الفرق بين “مربي يتفاجأ” و“مربي يقي نفسه”. لذلك ركّز على الوقاية:
1) تسمم الحمل (Pregnancy toxemia)
يظهر غالبًا في أواخر الحمل بسبب عجز طاقة.
الوقاية: رفع جودة العلف، وتقديم طاقة إضافية تدريجيًا، وتقليل الإجهاد والازدحام.
2) نقص الكالسيوم (Hypocalcemia)
قد يشبه تسمم الحمل في الأعراض.
الوقاية: توازن الكالسيوم في العليقة، ومراقبة الحوامل والمرضعات مبكرًا.
3) الحماض اللبني (Lactic acidosis)
يحدث عند زيادة مفاجئة في السكر/النشويات.
الوقاية: التدرّج في الحبوب، واعتماد العلف الخشن كأساس.
4) التسمم المعوي (Enterotoxemia) ومشكلات الكلوستريديا
يرتبط بالإفراط في طاقة عالية أو تغير مفاجئ في المرعى/الغذاء.
الوقاية: برنامج تحصين منظم + إدارة تغذية سليمة للصغار.
5) الحصوات البولية (Urolithiasis) في الذكور
غالبًا يتأثر بالنظام الغذائي (خصوصًا ارتفاع الفوسفور/الحبوب).
الوقاية: تقليل الحبوب، توازن Ca:P، وتشجيع شرب الماء دائمًا.
6) تلين القشرة المخية (Polioencephalomalacia)
قد يرتبط باضطرابات كرشية أو عوامل غذائية.
الوقاية: منع الحماض، وعدم القفز المفاجئ في المركزات.
7) مرض العضلات البيضاء (نقص سيلينيوم/فيتامين E)
يظهر خصوصًا في الصغار.
الوقاية: مكملات معدنية وفيتامينية مناسبة للقطيع.
ملاحظة مهمة: التشخيص النهائي والعلاج الدقيق يحدده المختص، لكن الإدارة الصحيحة تقلل احتمال حدوث هذه المشكلات أساسًا.
9) خطة عملية بسيطة لتغذية ناجحة (تطبقها من الغد)
يوميًا
- تحقق من نظافة الماء واستهلاك القطيع
- راقب الشهية ووجود إسهال/نفاخ
- راقب صغار الماعز والحوامل أولًا
أسبوعيًا
- قيّم حالة الجسم (Body condition)
- راجع كميات الحبوب: هل زادت بلا داعٍ؟
- افحص المعالف: هل هناك هدر أو تلوث؟
شهريًا
- راجع نوعية الدريس (عفن/رائحة/غبار)
- راقب توازن المعادن واستهلاكها
- ودوّن أي انخفاض في النمو أو الإنتاج لمعرفة سببه بسرعة
وبالتالي، بدل أن تطارد المشكلة بعد ظهورها، ستكتشفها مبكرًا وتمنع تكرارها.
خاتمة
تغذية الماعز الناجحة تبدأ بالماء والعلف الخشن والمعادن، ثم تُبنى فوقها إضافات الطاقة والبروتين حسب الحاجة، وبالتدرّج. لذلك، عندما تضبط الأساسيات وتمنع الأخطاء الشائعة، سترى فرقًا واضحًا في: النمو، والخصوبة، والإنتاج، ومناعة القطيع.