مقدمة
في كل عنبر دجاج لاحم أو بيّاض تتراكم فرشة الدواجن (نشارة خشب + روث + ريش + بواقي علف).
إذا تُركت بدون إدارة صحيحة تتحوّل إلى مصدر روائح، ذباب، أمراض، وتلوّث للتربة والمياه.
لكن نفس هذه الفرشة يمكن أن تصبح سمادًا عضويًا مركزًا وعالي القيمة لو عُولِجَت بالطريقة الصحيحة.
هذا المقال يشرح للمربي والمزارع العربي كيف:
- يتعامل مع فرشة الدجاج بأمان،
- يقلّل مخاطرها الصحية والبيئية،
- ويحوّلها إلى سماد مفيد للمحاصيل والأشجار.
أولاً: ما هي فرشة الدواجن ولماذا هي سماد قوي؟
فرشة الدواجن عبارة عن خليط من:
- نشارة خشب / تبن / قش / قشور أرز (مادة كربونية)
- روث الدواجن وبولها
- ريش، بواقي علف، أحيانًا قليل من الرمل أو التراب
مميزاتها كسـماد:
- محتوى مرتفع من النيتروجين (N) مقارنة بروث الأبقار والأغنام
- غنية بالفوسفور (P) والبوتاسيوم (K) والعناصر الصغرى
- ترفع المادة العضوية في التربة وتحسّن تهويتها وقدرتها على الاحتفاظ بالماء
متوسط التحليل التقريبي لفرشة دواجن معالجة جيدًا (القيم تتغير من مزرعة لأخرى):
- نيتروجين كلي: 3–4%
- فوسفور (P₂O₅): 2–3%
- بوتاسيوم (K₂O): 1.5–2%
لذلك تُعتبر سمادًا مركّزًا يحتاج تعاملًا بحذر، وليس مثل التراب العادي.
ثانياً: مخاطر استخدام فرشة الدواجن الخام مباشرة
كثير من المزارعين يضعون الفرشة كما هي في الأرض أو حول الأشجار، وهذا يسبب مشاكل خطيرة:
- حرق الجذور والنباتات
- التركيز العالي للنيتروجين والأملاح (وخاصة الأمونيـا) قد يحرق الجذور والأوراق.
- يظهر ذلك على شكل اصفرار حاد ثم ذبول وموت نباتات صغيرة.
- زيادة ملوحة التربة
- الاستخدام المتكرر بكميات كبيرة يرفع ملوحة الطبقة السطحية، خاصة في الأراضي الخفيفة أو التي تُروى بمياه متوسطة الملوحة.
- نقل المسببات المرضية
- أبرزها بكتيريا مثل E.coli و Salmonella، وميكروبات أخرى مرتبطة بأمراض الدواجن والجهاز الهضمي للإنسان.
- قد تنجذب الحشرات والكلاب والطيور البرية إلى السماد الخام وتنشر العدوى.
- زيادة الذباب والروائح الكريهة
- الفرشة الرطبة الغنية بالمواد العضوية هي بيئة مثالية لتكاثر الذباب والحشرات.
- تلوث المياه السطحية والجوفية
- مع الأمطار أو الري الغزير تنجرف النيتروجين والفوسفور نحو المصارف والآبار، فتسبب نمو طحالب وتدهور جودة المياه.
الخلاصة:
استخدام الفرشة الخام مباشرة في الحقل غير مُستحسن، والأفضل دائمًا معالجتها (تجفيف / تخمير / كومبوست) قبل الاستخدام.
ثالثاً: المبادئ العامة لتدوير مخلفات الدواجن بأمان
قبل الدخول في الطرق التفصيلية، هناك قواعد ثابتة:
- اختيار مكان مخصص للتدوير
- أرض مرتفعة نسبيًا، بعيدة عن الآبار ومصادر مياه الشرب.
- يفضّل وجود أرضية صلبة (خرسانة أو طبقة مضغوطة) مع ميل بسيط لتجميع الراشح إن وجد.
- بعيد عن العنابر قدر الإمكان لتقليل إعادة العدوى للدواجن.
- استخدام معدات حماية شخصية
- قفازات، كمامة أو شال على الأنف والفم، حذاء طويل.
- غسل اليدين والوجه بعد الانتهاء.
- الخلط مع مواد كربونية أخرى
- مثل قش القمح، تبن الشعير، قشور الأرز، قش الذرة، أوراق جافة مفرومة.
- الهدف ضبط نسبة الكربون للنيتروجين وتقليل الرطوبة والروائح.
رابعاً: الطريقة الأولى – التجفيف الشمسي للفرشة
هذه الطريقة بسيطة ومناسبة للمزارع الصغيرة التي تريد سمادًا سريعًا للاستخدام حول الأشجار أو لخلطه بالتربة.
الخطوات:
- فرد الفرشة في طبقة رقيقة
- سمك 10–15 سم على الأكثر.
- على أرضية خرسانية أو شادر بلاستيك سميك.
- التقليب اليومي
- تقليب الفرشة 1–2 مرة يوميًا لتجديد تعرضها للشمس والهواء.
- المدة والزمن
- حسب الجو، من 3–7 أيام في الصيف، وقد تطول في الشتاء.
- علامات الجاهزية
- رطوبة منخفضة (إذا ضغطتها باليد لا تخرج ماء ولا تلتصق بقوة).
- قلة الرائحة النفاذة.
مميزات هذه الطريقة:
- سريعة وقليلة التكاليف.
- تخفّض الرطوبة والروائح وتبطئ نمو البكتيريا والذباب.
ملاحظات مهمة:
- التجفيف وحده لا يقتل كل الميكروبات، لذلك لا نستخدم السماد المجفف في الخضروات التي تؤكل نيّئة إلا بعد خلطه بالتربة بوقت كافٍ (4–6 أسابيع قبل الزراعة).
- يفضّل مزج الفرشة المجففة مع تربة أو رمل أو كومبوست آخر قبل الاستخدام، لتخفيف تركيز الأملاح والنيتروجين.
خامساً: الطريقة الثانية – التخمير الهوائي (الكومبوست)
وهي أفضل طريقة للحصول على سماد آمن وعالي الجودة، خاصة إذا كان الهدف بيع السماد أو استخدامه بشكل منتظم.
1. تجهيز المكونات
- مادة غنية بالنيتروجين:
فرشة دواجن طازجة أو نصف جافة. - مادة غنية بالكربون:
قش، تبن، نشارة قديمة، بقايا محاصيل جافة، أوراق أشجار.
الهدف الوصول تقريبًا إلى نسبة كربون : نيتروجين في الخليط حوالي 25–30 : 1.
عمليًا:
لكل 1 جزء من فرشة الدواجن نضيف 2–3 أجزاء (بالحجم) من مواد نباتية جافة.
2. عمل كومة أو صف كومبوست
- ارتفاع الكومة: 1–1.5 متر
- العرض: 1.5–2 متر
- الطول: حسب المساحة المتاحة
ترص المواد طبقات متبادلة (فرشة – ثم قش – ثم فرشة – ثم قش …)، ويمكن رش قليل من الماء أثناء البناء إن كانت المواد شديدة الجفاف.
3. ضبط الرطوبة
- الرطوبة المثالية حوالي 50–60%.
- اختبار بسيط: خذ قبضة من الخليط واضغطها بيدك:
- لو نزلت نقاط بسيطة من الماء → ممتاز
- لو سال الماء بقوة → رطوبة عالية، أضف مواد جافة
- لو لم تتماسك الكتلة أصلًا → رطوبة منخفضة، أضف بعض الماء
4. ارتفاع الحرارة
بعد يومين–3 أيام تبدأ درجة حرارة الكومة ترتفع، وقد تصل إلى 55–65°م.
هذه الحرارة العالية تساعد على:
- قتل معظم بذور الحشائش
- تقليل الكثير من الميكروبات الممرضة
إذا لم ترتفع الحرارة، فهذا يدل غالبًا على أحد مشكلتين:
- جفاف شديد → نزيد الرطوبة
- زيادة مواد كربونية جدًا أو قليلة → نضيف فرشة دواجن أو بواقي علف لرفع النيتروجين.
5. التقليب
- أول تقليب بعد 7–10 أيام من بناء الكومة.
- بعد ذلك تُقلّب كل 10–15 يومًا.
- عند التقليب ننقل المواد من الخارج إلى الداخل والعكس لضمان تحلّل متجانس.
6. مدة التحلل وعلامات النضج
- في الأجواء الدافئة يستغرق الكومبوست 6–8 أسابيع (وقد يصل إلى 10–12 أسبوعًا في الشتاء).
- علامات النضج:
- لون بني غامق موحّد
- رائحة ترابية لطيفة (مثل رائحة تربة رطبة) وليست رائحة أمونيا أو عفن
- اختفاء شكل الفرشة الأصلية والمواد النباتية إلى حد كبير
- درجة حرارة الكومة تقترب من حرارة الجو المحيط
7. استخدام الكومبوست في الحقل
جرعات تقريبية للكومبوست الناضج من مخلفات الدواجن (للفدان):
- المحاصيل الحقلية (قمح، ذرة، برسيم…):
2–3 طن/فدان، تُخلط مع سطح التربة قبل الزراعة. - الخضروات في البيوت المحمية أو المكشوفة:
3–4 طن/فدان، أو 1–2 كجم/م²، مع خلطه جيدًا في التربة قبل الزراعة بـ 2–3 أسابيع. - الأشجار المثمرة:
5–10 كجم/شجرة حسب العمر، تُوزع في حوض الشجرة مع خلط بسيط في التربة.
ملاحظة: الأفضل دائمًا عمل تحليل للسماد والتربة لو متاح، لضبط الكميات بدقة أكبر.
سادساً: التخمير بالتكديس العميق (Deep Stacking)
هذه طريقة متوسطة بين التجفيف والكومبوست الكامل، وتُستخدم كثيرًا في المزارع التي تريد تقليل المسببات المرضية والروائح دون إدارة معقدة.
الفكرة:
تُكدّس فرشة الدواجن في مخزن مسقوف في كومة عالية (1.5–2 متر) وتُترك لمدة 3–4 أسابيع، فتتخمّر ذاتيًا وترتفع حرارتها إلى 55–60°م نتيجة عمل البكتيريا.
شروط نجاحها:
- رطوبة مناسبة (لا تكون الفرشة جافة جدًا ولا مبللة جدًا).
- المكان مغلق نسبيًا ومغطى لمنع الأمطار.
- لا يتم التقليب خلال الفترة الأولى حتى لا تفقد الحرارة.
بعد التخمير يمكن:
- استخدام السماد مباشرة في التربة بكميات معتدلة.
- أو خلطه مع تربة أو سماد بلدي آخر.
هذه الطريقة تقلل الميكروبات والطفيليات بشكل كبير، لكنها لا تعطي تجانس الكومبوست الهوائي الكامل.
سابعاً: نصائح مهمة قبل استخدام سماد مخلفات الدواجن في المزرعة
- لا تضع السماد مباشرة قرب جذوع الأشجار الصغيرة.
اترك مسافة 20–30 سم حول الساق ثم وزّع السماد في الحوض الخارجي. - لا تفرش السماد فوق سطح التربة ثم تروي مباشرة بكميات كبيرة.
الأفضل خلطه خلطًا خفيفًا بالتربة السطحية ثم الري باعتدال؛ لتقليل الفاقد من النيتروجين بالغاز. - تجنّب استخدام السماد غير المعالج في الخضروات الورقية
(خس، جرجير، بقدونس، سبانخ…) إلا قبل الزراعة بفترة كافية ومع خلط جيد بالتربة. - لا تستخدم كميات كبيرة في الأراضي الملحية أو الثقيلة جدًا.
يمكن البدء بكميات أقل (1–1.5 طن/فدان) وملاحظة الاستجابة. - حافظ على سجل بسيط
– من أين جاءت الفرشة؟ كم الكمية المستخدمة في كل حقل؟ كي يسهل عليك تقييم النتائج في المواسم التالية.
ثامناً: من عبء إلى فرصة – البُعد الاقتصادي
عندما تُدار مخلفات الدواجن بشكل صحيح، يتحقق للمزرعة أكثر من فائدة:
- تقليل تكلفة شراء الأسمدة الكيميائية.
- تحسين خصوبة التربة على المدى الطويل، فينعكس ذلك على الإنتاجية وجودة المحصول.
- تقليل مشكلات الروائح والذباب والشكاوى من الجيران.
- إمكانية بيع جزء من السماد العضوي المجهّز كمصدر دخل إضافي للمزرعة.
خلاصة
فرشة الدواجن ليست مشكلة يجب التخلص منها بسرعة، بل مورد غذائي للتربة يمكن أن يضيف قيمة كبيرة إذا أُدير بشكل علمي.
الخطوات الأساسية:
- عدم استخدام الفرشة الخام مباشرة.
- اختيار طريقة معالجة مناسبة (تجفيف – كومبوست – تكديس عميق).
- ضبط الرطوبة ودرجة الحرارة والخلط مع مواد نباتية.
- استخدام كميات مدروسة مع مراعاة نوع التربة والمحصول.