الطماطم والخيار نموذجًا

مقدمة

تُعدّ المحاصيل الخضرية مثل الطماطم والخيار من أهم محاصيل الخضار في الوطن العربي، وتُزرع في الحقول المكشوفة والبيوت البلاستيكية على حدّ سواء.
ومع انتشار الري بالتنقيط، أصبح من الممكن التحكّم بدقة في التسميد من خلال تقسيم الجرعات وربطها بمراحل نمو النبات.

هذا المقال يقدّم مثالًا تطبيقيًا مبسّطًا لبرنامج تسميد تحت الري بالتنقيط، يمكن أن يسترشد به المزارع العربي مع مراعاة الفروق بين الأصناف، ونوع التربة، وتحليل الماء والتربة متى أمكن ذلك.

تنبيه مهم:
الأرقام والجرعات في هذا المقال إرشادية، وليست بديلاً عن استشارة مهندس زراعي محلي أو الاعتماد على تحليل تربة وماء دقيق.

أولًا: مبادئ عامة للتسميد تحت الري بالتنقيط

قبل الدخول في التفاصيل، من المهم فهم بعض النقاط الأساسية التي تناسب ظروف المزارع في الوطن العربي:

  1. تقسيم السماد على جرعات صغيرة
    بدلاً من إضافة كمية كبيرة مرة واحدة شهريًا، يُفضَّل تقسيمها إلى جرعات أسبوعية أو نصف أسبوعية عبر شبكة التنقيط. هذا يقلّل الفاقد ويرفع كفاءة الاستفادة.
  2. استخدام أسمدة قابلة للذوبان في الماء
    مثل الأسمدة المركّبة NPK الذائبة بالكامل، ونترات الكالسيوم، ونترات أو سلفات البوتاسيوم، واليوريا… وهي متوفرة في أغلب الأسواق العربية.
  3. الاعتماد على تجهيزات بسيطة
    في المزارع الصغيرة يمكن الاكتفاء بـ:
    • خزان أو برميل (100–200 لتر).
    • محقن فنتوري بسيط، أو إدخال المحلول في الخط مع التحكم بالمحابس.
      المهم أن يذوب السماد جيدًا وألّا يدخل أي شوائب للشبكة.
  4. غسل الشبكة بماء عادي بعد التسميد
    تشغيل الري بالماء فقط 10–15 دقيقة في نهاية كل عملية تسميد يساعد على حماية النقاطات من الانسداد.
  5. مراعاة ملوحة الماء والتربة
    في كثير من مناطق الوطن العربي تكون الملوحة متوسطة أو مرتفعة؛ لذلك يجب تجنب المبالغة في الجرعات، خصوصًا من البوتاسيوم والأملاح الأخرى.

ثانيًا: تقسيم مراحل نمو الطماطم والخيار

سنقسّم الموسم إلى أربع مراحل رئيسية يمكن تطبيقها على الطماطم، ومع بعض التعديل تصلح أيضًا للخيار:

  1. مرحلة التجذير وبداية النمو الخضري
    من الزراعة حتى عمر 3 أسابيع تقريبًا بعد الشتل.
  2. مرحلة النمو الخضري القوي
    من الأسبوع 3 إلى بداية التزهير.
  3. مرحلة التزهير والعقد
    من ظهور أول أزهار حتى ثبات عقد الثمار على النباتات.
  4. مرحلة الإثمار والإنتاج المستمر
    من بداية الجني وحتى نهاية الموسم.

في كل مرحلة تختلف نسبة النيتروجين (N) والفسفور (P) والبوتاسيوم (K)، بالإضافة إلى الكالسيوم والعناصر الصغرى.

ثالثًا: برنامج تسميد نموذجي للطماطم تحت الري بالتنقيط

النموذج التالي مبني على مساحة 1 دونم، ويمكن تقريبًا مضاعفته لعشرة أضعاف للهكتار.
يمكن استخدامه في البيوت البلاستيكية أو الحقول المكشوفة مع تعديل بسيط في الكميات حسب كثافة الزراعة.

1) مرحلة التجذير وبداية النمو الخضري

من الزراعة حتى 3 أسابيع تقريبًا

الهدف:

  • تشجيع تكوين جذور قوية.
  • نمو خضري متوازن دون زيادة كبيرة في النيتروجين.

البرنامج الأسبوعي (لكل دونم):

  • 2–3 كجم سماد مركّب NPK متوازن (مثل 20-20-20 أو 18-18-18).
  • 1 كجم سوبر فوسفات أحادي أو NPK عالي الفسفور إذا كانت التربة فقيرة بالفسفور.
  • يمكن إضافة 1 كجم نترات كالسيوم في نهاية هذه المرحلة إذا ظهرت بدايات نمو جيدة.

طريقة التنفيذ:

  • تقسيم كمية السماد على 2–3 أيام تسميد في الأسبوع.
  • في كل يوم تسميد:
    • يذاب ثلث الكمية في برميل ماء.
    • يُحقن المحلول في الثلث الأوسط من زمن الري (مثلاً إذا كانت مدة الري ساعة، يكون التسميد خلال 20 دقيقة في الوسط).
    • يُستكمل الري بماء فقط في البداية والنهاية.

2) مرحلة النمو الخضري القوي

من الأسبوع 3 حتى بداية التزهير

الهدف:

  • زيادة المسطح الورقي القوي السليم الذي يحمل الثمار لاحقًا.
  • الاستمرار في بناء جذور فعّالة.

البرنامج الأسبوعي (لكل دونم):

  • 3–4 كجم NPK متوازن (20-20-20) أو قريب منه.
  • 2 كجم نترات كالسيوم.
  • 0.5 كجم مخلوط عناصر صغرى (Micronutrients) يضاف مرة كل أسبوعين.

ملاحظات:

  • يُفضّل مراقبة لون الأوراق؛ إذا أصبح أخضر غامق جدًا مع نمو طري وضعيف، يمكن تخفيض النيتروجين قليلاً.
  • في الأجواء الحارة جدًا يجب تجنّب الزيادة الكبيرة في اليوريا؛ يمكن الاعتماد أكثر على نترات الكالسيوم أو نترات الأمونيوم.

3) مرحلة التزهير والعقد

من بداية التزهير حتى ثبات عقد الثمار

الهدف:

  • تثبيت الأزهار وزيادة نسبة العقد.
  • تقليل النمو الخضري الزائد، والاتجاه نحو تكوين الثمار.
  • التركيز أكثر على البوتاسيوم والكالسيوم مع المحافظة على مستوى مناسب من النيتروجين.

البرنامج الأسبوعي (لكل دونم):

  • 2 كجم NPK مرتفع البوتاسيوم (مثل 15-5-30 أو 12-12-36).
  • 2–3 كجم نترات كالسيوم.
  • 1–2 كجم نترات بوتاسيوم أو سلفات بوتاسيوم (حسب المتوفر).
  • 0.5 كجم مخلوط عناصر صغرى مرة واحدة في الأسبوع أو كل أسبوعين حسب الحاجة.

ملاحظات تطبيقية:

  • يُفضّل توزيع التسميد على 3 أيام في الأسبوع في هذه المرحلة الحساسة.
  • تجنّب التسميد النيتروجيني الثقيل باليوريا في فترات الحرارة العالية لأنه قد يزيد التساقط.
  • في حال ملاحظة نقص الكالسيوم (مثل عفن الطرف الزهري في الطماطم) تُزاد جرعة نترات الكالسيوم قليلًا مع تحسين انتظام الري.

4) مرحلة الإثمار والإنتاج المستمر

من بداية الجني وحتى نهاية الموسم

الهدف:

  • المحافظة على توازن بين استمرار النمو الخضري وبين دفع النبات لإنتاج ثمار ذات حجم ولون جيد.
  • التركيز على البوتاسيوم والمواد التي تحسّن جودة الثمار.

البرنامج الأسبوعي (لكل دونم):

  • 3 كجم NPK مرتفع البوتاسيوم (15-5-30 أو ما يشبهه).
  • 2 كجم نترات كالسيوم.
  • 1–2 كجم نترات أو سلفات بوتاسيوم.
  • 1 كجم سلفات ماغنسيوم مرة كل أسبوعين (خصوصًا في الترب الرملية أو عند نقص الماغنسيوم).
  • 0.5 كجم مخلوط عناصر صغرى مرة كل أسبوعين.

ملاحظات:

  • يمكن تخفيف الكميات قليلًا في نهاية الموسم عندما يبدأ المحصول في التراجع.
  • في حال ارتفاع ملوحة ماء الري، يُفضّل عدم المبالغة في البوتاسيوم، مع زيادة فترات الري القصيرة لغسل الأملاح من منطقة الجذور.

رابعًا: كيف نطبّق هذا البرنامج على الخيار؟

الخيار يشبه الطماطم في كثير من المتطلّبات، لكن:

  • دورة حياته غالبًا أقصر.
  • حسّاس أكثر للإجهاد المائي والملوحة.
  • يحمل ثمارًا بكثافة وعلى فترات متقاربة.

لذلك يمكن استخدام نفس هيكل البرنامج مع مراعاة ما يلي:

  1. تخفيف الجرعات 10–20٪ تقريبًا عن الطماطم في الحقول ذات الخصوبة المتوسطة.
  2. التركيز على البوتاسيوم في مرحلة الإثمار المبكر؛ فهو يؤثر بوضوح في طول الثمرة وجودتها.
  3. المحافظة على انتظام الري أكثر ما يمكن؛ فالتذبذب بين الجفاف الشديد والري الغزير يسبّب تشوّه الثمار وسوء الجودة.

مثال مبسّط للخيار (لكل دونم في مرحلة الإثمار):

  • 2.5 كجم NPK مرتفع البوتاسيوم.
  • 1.5–2 كجم نترات كالسيوم.
  • 1–1.5 كجم نترات أو سلفات بوتاسيوم.

مع نفس طريقة التقسيم على أيام الأسبوع كما في الطماطم.

خامسًا: خطوات عملية لتطبيق التسميد تحت التنقيط في المزرعة

  1. تجهيز خزان أو برميل التسميد
    • حجم 100–200 لتر يكفي غالبًا للدونم.
    • يُملأ بالماء حتى المنتصف، ثم يضاف السماد مع التحريك الجيد، ثم يُستكمل الماء.
  2. تشغيل الري بالماء فقط أولاً
    لمدة 10–15 دقيقة حتى تمتلئ الشبكة وتستقر.
  3. إدخال محلول السماد
    • عبر محقن فنتوري أو بفتح محبس خاص بخزان التسميد.
    • يُفضّل أن يكون التسميد في الثلث الأوسط من زمن الري.
  4. الري بالماء فقط بعد التسميد
    لمدة 10–15 دقيقة لغسل الخطوط والنقاطات من المحلول المركّز.
  5. تسجيل كل عملية تسميد
    في دفتر أو سجل بسيط (التاريخ، نوع السماد، الكمية، الملاحظات على النباتات)، فهذا يساعد كثيرًا على تحسين البرنامج في المواسم التالية.

سادسًا: نصائح عامة للمزارعين في الوطن العربي

  • إذا تعذّر تحليل التربة، يمكن بدء التطبيق بهذه البرامج كمرحلة أولى، ثم تعديل الجرعات من خلال مراقبة النبات (لون الأوراق، قوة النمو، حجم الثمار).
  • في الترب الفقيرة جدًا والمستنزفة يُفضَّل إضافة سماد عضوي متحلّل قبل الموسم، ثم استخدام البرنامج الكيميائي أثناء الموسم.
  • لا يُنصح بخلط جميع أنواع الأسمدة في خزان واحد دون معرفة توافقها؛ بعض الخلطات قد تكوّن ترسيبات.
  • استشارة مهندس زراعي في المنطقة ولو مرة واحدة في بداية المشروع استثمار مهم، خصوصًا عندما تكون المياه مالحة أو التربة ثقيلة جدًا أو رملية جدًا.