مقدمة: لماذا نهتمّ ببرامج التطعيم؟
برامج تطعيم أبقار اللحم جزء أساسي من الرعاية الصحية الوقائية.
فهو لا يحمي القطيع من كثير من الأمراض البكتيرية والفيروسية والطفيليّة فقط، بل يساهم أيضًا في:
- تقليل النفوق في العجول والأبقار.
- خفض تكاليف العلاج والأدوية.
- تحسين معدلات النمو والتسمين وجودة الأداء التناسلي.
كلّما كان برنامج التطعيم في القطيع قويًّا ومدروسًا، زادت مناعة الحيوانات، وقلّت الخسائر “الصامتة” التي لا تظهر مباشرة في الدفاتر، لكنها تؤثر في أرباح المشروع على المدى الطويل.
أولًا: كيف يعمل التطعيم؟
تطعيمات الأبقار هي مستحضرات دوائية تُعطى للحيوانات السليمة، لكي تجهّز جهاز المناعة للتعامل مع الميكروبات (فيروسات، بكتيريا، أو طفيليات أولية).
- بعد إعطاء التطعيم، يبدأ الجسم في تكوين أجسام مضادة.
- ترتفع مستويات الأجسام المضادة، ثم تنخفض تدريجيًّا مع الوقت.
- لذلك تحتاج بعض التطعيمات إلى جرعة منشطة (Booster) للحفاظ على مستوى حماية مرتفع خلال فترة خطر الإصابة بالمرض.
إذن، التطعيم أداة وقائية، ونجاحها يعتمد على توقيت إعطائها و طريقة استخدامها.
ثانيًا: قواعد أساسية لنجاح برامج التطعيم
حتى يعطي التطعيم أفضل نتيجة، يجب المحافظة على فعاليته من لحظة خروجه من الشركة المنتجة وحتى دخوله في جسم الحيوان. أي خطأ في التخزين أو التداول يمكن أن يفقد المستحضر جزءًا كبيرًا من قوته.
1. التخزين السليم
- أغلب مستحضرات التطعيم يجب أن تُحفظ في الثلاجة عند درجة حرارة محددة على ملصق العبوة.
- لا يجب تجميدها، ولا تركها خارج التبريد لفترات طويلة.
- يُفضّل استخدام ثلاجات تم فحص حرارتها مع تركيب ترمومتر تسجيل بيانات (Data logger) في المزارع التي تخزن كميات كبيرة لفترات طويلة.
2. النقل أثناء يوم العمل
في أيام العمل الميداني داخل الحظائر:
- يجب نقل التطعيمات في حافظات مبردة (كول بوكس) مع ثلج أو عبوات تبريد.
- توضع العبوات والمحاقن المعبأة داخل الحافظة عندما لا تُستخدم.
- يُمنع ترك العبوة على منضدة في الشمس أو في جو حار أثناء العمل.
3. تجنّب إعادة استخدام العبوات المفتوحة
عند ثقب غطاء العبوة بالإبرة:
- يعتبر المستحضر معرّضًا للبيئة.
- يجب استخدام محتويات العبوة في نفس يوم العمل، ثم التخلص من الباقي وفق إرشادات الملصق.
- إعادة تخزين عبوات تم فتحها يرفع احتمال نمو ميكروبات ضارة، وقد يؤدي إلى تفاعلات سلبية بعد إعطائها للحيوانات.
4. تحضير وخلط التطعيمات
بعض التطعيمات تكون في صورة مسحوق جاف + محلول مخفِّف، وتحتاج إلى إعادة تحضير قبل الاستخدام:
- يُضاف المخفف إلى المسحوق كما هو موضح على الملصق.
- تُحرَّك العبوة برفق (تدوير أو رجّ بسيط) حتى يذوب المسحوق تمامًا.
- يُفضّل تحضير كمية تكفي ساعة عمل واحدة فقط، وليس تحضير كامل كمية اليوم منذ البداية.
- من الأفضل تحضير عبوة واحدة في كل مرة ثم الانتقال للتي بعدها.
جميع التطعيمات – سواء كانت سائلة أو أعيد تحضيرها – تحتاج إلى رجّ خفيف قبل وأثناء الاستخدام لضمان تجانسها.
5. المحاقن والإبر
- المحاقن والإبر ذات الاستخدام الواحد يجب التخلص منها بعد الاستعمال.
- المحاقن القابلة لإعادة الاستخدام (مثل المحاقن ذات القبضة “المسدسية”) تُنظَّف بعد كل يوم عمل.
- لا يُنصح باستعمال الصابون أو المطهّرات الكيميائية داخل المحقن، لأنها قد تتفاعل مع مكونات التطعيم.
- الأفضل شطف المحقن مرات متكررة بماء مغلي ثم مُبرّد قليلاً فقط.
- الإبر المخصَّصة لنقل السائل بين العبوات تُغلى في الماء وتُترك لتجف قبل التخزين.
- حلقات الـ O-Ring في المحاقن يجب فحصها واستبدال التالف منها، مع الاحتفاظ بقطع غيار جاهزة.
ثالثًا: العوامل المتعلقة بالحيوان التي تؤثر على الاستجابة للتطعيم
ليست كل مشكلة في برنامج التطعيم ناتجة عن المستحضر نفسه؛ أحيانًا يكون جسم الحيوان غير قادر على تكوين استجابة مناعية قوية.
1. التغذية
- نقص أو زيادة بعض العناصر الغذائية يمكن أن يضعف عمل جهاز المناعة.
- أهم المشكلات الغذائية التي تقلل كفاءة التطعيم:
- نقص الطاقة (الحيوان هزيل، نموه ضعيف، حالته العامة سيئة).
- نقص البروتين.
- نقص العناصر الصغرى مثل النحاس، الزنك، السيلينيوم…
تصحيح هذه النواقص يتم عن طريق علائق متوازنة، واستخدام مخاليط أملاح معدنية مدروسة الكمية (بدون مبالغة).
2. السموم والأمراض والضغط البيئي
- السموم الفطرية (Mycotoxins) في العلف، وبعض السموم الأخرى، تقلل مناعة الحيوان.
- الحمل العالي من الطفيليات الداخلية أو الخارجية يضعف الاستجابة للتطعيم.
- الأمراض الموجودة بالفعل، والإجهاد الحراري أو البرودة الشديدة، كلها عوامل تقلل القوة المناعية بعد التطعيم.
لذلك، يجب ربط برنامج التطعيم مع برنامج تغذية ومكافحة طفيليات وإدارة بيئية جيدة، حتى يأخذ الحيوان الفائدة الكاملة من الجرعة.
رابعًا: أنواع التطعيمات (حي مضعَّف ومعطَّل) والجرعات المنشطة
بشكل عام يمكن تقسيم مستحضرات التطعيم إلى نوعين رئيسيين:
- تطعيمات حية مضعَّفة (Modified Live):
- تحتوي على ميكروب حي لكن ضعيف.
- تعطي عادةً استجابة مناعية قوية وطويلة.
- غالبًا لا تحتاج إلى عدد كبير من الجرعات بعد إكمال البرنامج الأساسي، لكن يجب الالتزام بتعليمات الطيبب البيطري والملصق.
- تطعيمات معطَّلة (Killed / Inactivated):
- تحتوي على ميكروب ميت.
- تحتاج غالبًا إلى جرعة أولى + جرعة منشطة خلال فترة محددة لكي يصبح التطعيم فعّالًا.
- توجد أيضًا مستحضرات تجمع بين النوعين.
يجب إعطاء الجرعات المنشطة في المواعيد المكتوبة على الملصق؛ التأخير الكبير قد يعني الحاجة إلى إعادة البرنامج من البداية.
عادةً ما تُعطى التطعيمات التي لا تحتاج إلى إعادة تطعيم طويلة المدى حول فترة الفطام أو قبلها بقليل؛ لكن القرار النهائي يعود للطبيب البيطري حسب ظروف القطيع.
خامسًا: برنامج تطعيم العجول قبل الفطام (Calfhood Program)
هذا هو حجر الأساس لأي برنامج قوي في أبقار اللحم؛ لأن:
- العجول الصغيرة أكثر حساسية للأمراض.
- تحصينها مبكرًا يقلل مشكلات ما قبل الفطام، ويجهزها لتحمل ضغط الفطام والنقل لاحقًا.
توقيت التطعيم
غالبًا ما يتزامن مع:
- عملية الوسم أو الوسم بالنار (Branding).
- تطعيمات ما قبل التلقيح للأمهات.
- أو قبل الفطام بعدة أسابيع.
أهم مجموعة تطعيمات العجول
- أمراض الجهاز التنفسي الفيروسية (Respiratory Viruses): غالبًا تشمل المستحضرات التجارية واحدًا أو أكثر من هذه الفيروسات:
- فيروس الالتهاب الرئوي الخناقي البقري
Bovine Respiratory Syncytial Virus (BRSV) - فيروس الإسهال الفيروسي البقري النوعان I وII
Bovine Viral Diarrhea (BVD I & II) - التهاب الأنف والرغامي المعدي البقري
Infectious Bovine Rhinotracheitis (IBR) - فيروس البارانفلونزا نوع 3
Parainfluenza-3 (PI-3)
- فيروس الالتهاب الرئوي الخناقي البقري
- أمراض الكلوستريديا (Clostridial Diseases): وهي أمراض حادة وخطيرة غالبًا ما تسبب نفوقًا مفاجئًا، لذلك تُعتبر تطعيماتها من الأساسيات في العجول.
تغطي معظم البرامج واحدًا أو أكثر من الأنواع التالية:- Clostridium chauvoei (الجمرة العفنية / العضلة السوداء).
- C. haemolyticum.
- C. novyi.
- C. perfringens النوعان C وD (تسممات معوية).
- C. septicum.
- وقد تشمل أيضًا C. sordellii و/أو C. tetani (الكزاز).
- بكتيريا الجهاز التنفسي (في بعض البرامج): في القطعان المعرضة لأمراض الجهاز التنفسي البكتيرية، قد يُضاف تطعيم ضد:
- Mannheimia haemolytica.
- Pasteurella multocida.
اختيار المكوّنات الدقيقة في البرنامج يعتمد على تقييم الطبيب البيطري للمخاطر في المنطقة والمزرعة.
سادسًا: برامج تطعيم عجلات الإحلال والأبقار البالغة
1. العجلات المرشحة كأمهات مستقبلية
العجلات التي ستدخل في قطيع الأمهات تحتاج إلى برنامج يركز على:
- أمراض الجهاز التنفسي،
- بالإضافة إلى الأمراض التناسلية التي تؤثر في الخصوبة والإجهاض.
إلى جانب IBR وBVD، قد يشمل البرنامج – حسب مستوى الخطورة – تطعيمات ضد:
- البروسيلا (Brucella) حيث تسمح اللوائح بذلك.
- البكتيريا المسببة للإجهاض والتهابات الرحم مثل Leptospira وCampylobacter (Vibrio) وTrichomonas.
- الجمرة الخبيثة (Anthrax) في المناطق الموبوءة.
يجب تنفيذ تطعيم البروسيلا – إن كان مطلوبًا – وفق التشريعات البيطرية المحلية الدقيقة.
2. ملاحظة مهمة حول تطعيمات IBR وBVD الحية المضعَّفة
هذه التطعيمات تعطي أوسع حماية ضد السلالات المختلفة، لكنها قد تؤثر فترة قصيرة في المبيض بعد إعطائها مباشرة، مما قد يسبب انخفاضًا بسيطًا مؤقتًا في الخصوبة إذا حُقنت قبل أو أثناء موسم التزاوج مباشرة.
لذلك يُنصح بأن تُعطى هذه التطعيمات:
- قبل بداية موسم التزاوج بشهر واحد على الأقل،
- مع إتمام البرنامج الأساسي بجرعتين لضمان مناعة مرتفعة.
3. برامج ما قبل التزاوج وما قبل الولادة
- يجب إنهاء تطعيمات ما قبل التزاوج قبل 4 أسابيع على الأقل من موعد إدخال الفحول.
- أما تطعيمات ما قبل الولادة (Pre-calving) فهدفها الأساسي حماية العجل حديث الولادة من خلال الأجسام المضادة في السرسوب.
- في بعض الحالات يمكن أن تؤدي تطعيمات ما قبل الولادة دور تطعيمات ما قبل التزاوج أيضًا، بشرط أن تكون مدة المناعة كافية؛ وهذا يقرره الطبيب البيطري.
4. التطعيم ضد إسهالات العجول (Scours)
في كثير من القطعان، يعدّ إسهال العجول مشكلة اقتصادية كبيرة.
يمكن إدخال تطعيمات خاصة ضد بعض مسببات الإسهال البكتيرية أو الفيروسية للأمهات قبل الولادة، حتى تنقل حماية أفضل لعجولها عن طريق السرسوب.
سابعًا: تطعيمات الفحول (الثيران)
- غالبًا ما يتلقى الفحل نفس تطعيمات القطيع من حيث أمراض الجهاز التنفسي والكلوستريديا والأمراض التناسلية، لأنّه مصدر مهم لنقل الأمراض بين الإناث.
- لا يُطبَّق برنامج البروسيلا عادةً على الذكور في كثير من الدول، لكن يجب الالتزام بالتشريعات المحلية في هذا الموضوع.
- تُراعى نفس الاحتياطات المذكورة سابقًا مع تطعيمات IBR وBVD الحية المضعَّفة؛ أي إعطاؤها قبل موسم التزاوج بوقت كافٍ.
ثامنًا: الجانب الاقتصادي ودور الطبيب البيطري
ليس الهدف من برنامج التطعيم أن نجمع أكبر عدد ممكن من المستحضرات في جدول واحد؛ بل الهدف هو:
- اختيار التطعيمات ذات الجدوى الاقتصادية وفقًا لمستوى الخطر في المزرعة والمنطقة.
- بعض التطعيمات – مثل تطعيم Trichomonas – قد تكون مفيدة جدًّا في القطعان المصابة أو عالية الخطورة، لكنها قد لا تُبرِّر تكلفتها في قطعان قليلة الخطر.
لذلك، من الضروري أن يبنى برنامج التطعيم على:
- تقييم واضح لمخاطر الأمراض في القطيع.
- حساب تقريبي للخسائر المحتملة في حال عدم التطعيم.
- مقارنة ذلك بتكلفة البرنامج وعبء العمل المرتبط به.
الطبيب البيطري هو الشخص الأفضل لتجميع هذه المعلومات ووضع برنامج تطعيم مكتوب، يُراجع كل سنة أو سنتين حسب التغيرات في القطيع أو في الوضع الوبائي.
خاتمة
برنامج تطعيم أبقار اللحم ليس مجرد جدول تواريخ وحقن، بل هو استراتيجية متكاملة لحماية القطيع وتعزيز أرباح المزرعة.
عندما يهتم المربّي بـ:
- التخزين السليم لمستحضرات التطعيم،
- اختيار التوقيت المناسب والجرعات المنشطة،
- تحسين التغذية ومكافحة الطفيليات وتقليل الضغط الحراري،
- التعاون المستمر مع الطبيب البيطري،
فإنه يضع أساسًا قويًّا لقطيع يتمتع بمناعة عالية وأداء إنتاجي وتناسلي أفضل، ويقلّل من المفاجآت المرضية المكلفة خلال العام.