المكافحة المتكاملة للآفات IPM هي أسلوب إدارة ذكي يهدف إلى تقليل أضرار الآفات على المحاصيل بأقل كمية ممكنة من المبيدات، مع الحفاظ على صحة الإنسان والبيئة وربحية المزرعة.
الفكرة ببساطة: نراقب، نمنع، ثم نتدرّج في التدخل من الوسائل الزراعية والحيوية، وحتى اختيار المبيد المناسب عند الضرورة فقط.
أولًا: مبادئ المكافحة المتكاملة للآفات
يمكن تلخيص IPM للمزارع في خمس نقاط أساسية:
- الوقاية قبل العلاج
تجهيز التربة، اختيار الصنف المناسب، التسميد والري المتوازن، كلها تقلّل من فرصة ظهور الآفات. - المراقبة المنتظمة (التحري)
لا نرش لمجرد الشك؛ بل نراقب المحصول ونحدد نوع الآفة ومستوى الإصابة. - العتبة الاقتصادية للضرر
نتدخل عندما تصل الإصابة إلى مستوى يهدد الإنتاج ويصبح الرش مجديًا اقتصاديًا. - التدرّج في وسائل المكافحة
نبدأ بالوسائل الزراعية والميكانيكية والحيوية، ثم نلجأ للمبيد الكيميائي عندما لا تكفي هذه الوسائل. - التقييم بعد العلاج
نراقب النتيجة، ونعدّل البرنامج في الموسم التالي بناءً على ما تعلمناه.
ثانيًا: المراقبة – نقطة البداية في IPM
كيف يراقب المزارع حقله؟
- جولة أسبوعية على الأقل في الحقول أو البيوت البلاستيكية.
- فحص عيّنات من النباتات في أكثر من مكان، وليس في طرف الحقل فقط.
- البحث عن:
- حشرات على الأوراق والثمار والجذوع
- بيض، يرقات، أو حشرات كاملة
- أعراض غير طبيعية: بقع، أنفاق، ثقوب، اصفرار، ذبول
استخدام المصائد
يمكن للمزارع استخدام أدوات بسيطة متوفرة في الأسواق العربية مثل:
- مصائد لاصقة صفراء أو زرقاء لمراقبة الذبابة البيضاء، المنّ، التربس وغير ذلك.
- مصائد فرمونية لبعض آفات الفاكهة والقطن والذرة.
- مصائد ضوئية في بعض المزارع المفتوحة.
المهم أن تُستخدم المصائد للمراقبة أولًا، ثم يمكن أن تساعد جزئيًا في خفض أعداد الحشرة.
ثالثًا: وسائل المكافحة غير الكيميائية
1. وسائل زراعية
- دورة زراعية وعدم تكرار نفس المحصول في نفس الأرض لسنوات طويلة.
- اختيار أصناف مقاومة أو متحملة للأمراض الشائعة في المنطقة.
- إزالة بقايا المحصول السابق، وعدم ترك مخلفات مصابة داخل المزرعة.
- تنظيم التسميد والري؛ لأن الإفراط في الآزوت مثلًا يجذب كثيرًا من الحشرات الماصة.
- الزراعة في موعد مناسب يقلّل من تداخل فترات حساسية النبات مع ذروة نشاط الآفة.
2. وسائل ميكانيكية وفيزيائية
- جمع الأوراق أو الثمار المصابة وحرقها أو دفنها بعيدًا عن المزرعة.
- استخدام الشِبَاك أو الأغطية البلاستيكية حول بعض المحاصيل الحساسة (خاصة الخضار).
- عزق الحشائش باستمرار؛ لأنها تعيش عليها كثير من الآفات.
- في بعض الحالات يمكن استخدام الماء القوي لرش مستعمرات المنّ أو العناكب على الخضار في المساحات الصغيرة.
3. المكافحة الحيوية
الاعتماد على الأعداء الحيوية الطبيعية للآفات، مثل:
- الدعسوقة (أبو العيد) التي تتغذى على المنّ.
- بعض الدبابير الطفيلية التي تهاجم بيض أو يرقات الحشرات.
- مستحضرات ميكروبية مثل Bacillus thuringiensis (Bt) ضد ديدان الأوراق.
- زيوت نباتية مثل زيت النيم وبعض الزيوت المعدنية الآمنة عند استخدامها حسب الإرشادات.
هذه الوسائل موجودة في كثير من أسواق الدول العربية بأسماء تجارية مختلفة، ويُفضّل استشارة مهندس زراعي لتحديد الأنسب لكل محصول.
رابعًا: متى نلجأ للمبيد الكيميائي؟
في IPM لا نمنع استخدام المبيدات، ولكن نستخدمها بحساب عندما:
- تُظهر المراقبة أن أعداد الآفة تجاوزت العتبة الاقتصادية، أو أنها في طريقها لتجاوزها سريعًا.
- تكون الوسائل الزراعية والحيوية وحدها غير كافية للسيطرة.
- يكون المحصول في مرحلة حساسة لا تتحمل خسائر كبيرة (مثل فترة امتلاء الحبوب أو عقد الثمار).
قبل الرش يجب التأكد من:
- تحديد الآفة بدقة (منّ، دودة، فطر، حشرة ثاقبة ماصة…)
- معرفة نوع المحصول ومرحلة نموه
- مراجعة تعليمات المبيد من ناحية فترة الأمان قبل الحصاد والجرعة الموصى بها.
خامسًا: كيف يختار المزارع المبيد المناسب؟
1. اختيار المادة الفعالة المناسبة للآفة
يفضل الاعتماد على اسم المادة الفعالة (مثل: أباكتين، إيميداكلوبريد، نحاس، كبريت، مانكوزيب… إلخ) وليس على الاسم التجاري فقط، لأن الأسماء التجارية تختلف بين دولة وأخرى.
2. مراعاة المحصول وفترة الأمان
- بعض المبيدات مسموح لمحاصيل معينة وممنوع لمحاصيل أخرى.
- يجب التأكد من فترة الأمان (المدة بين آخر رشّة وتاريخ الحصاد)، والالتزام بها تمامًا.
3. الأثر على الأعداء الحيوية والنحل
- إن أمكن، نختار مبيدًا أقل ضررًا على النحل والمفترسات النافعة.
- نفضّل الرش في أوقات تقلّ فيها حركة النحل (مثل آخر النهار).
4. تجنّب مقاومة الآفات للمبيدات
- عدم الاعتماد على نفس المادة الفعالة طوال الموسم.
- تدوير المواد الفعالة بين مجموعات مختلفة حسب إرشادات المهندس الزراعي.
سادسًا: استخدام المبيدات بأمان – خطوات أساسية
حتى عند الضرورة، يجب أن يكون الرش مسؤولًا:
- قراءة ملصق المبيد جيدًا قبل الاستعمال.
- استخدام معدات الوقاية الشخصية: قفازات، كمامة، نظارات، ملابس مناسبة.
- خلط المبيد بالماء حسب الجرعة الموصى بها فقط؛ فالزيادة لا تعطي نتيجة أفضل بل ترفع السمية والتكلفة.
- عدم الرش في أوقات الرياح القوية أو درجات الحرارة المرتفعة.
- عدم خلط أكثر من مبيد أو مبيد + سماد ورقي عشوائيًا بدون نصيحة مختص.
- التخلص من العبوات الفارغة بطريقة آمنة وعدم استخدامها لأي غرض منزلي.
سابعًا: مثال مبسّط لتطبيق IPM
لنفرض أن مزارعًا يزرع الخيار في بيت بلاستيكي ولاحظ وجود منّ على بعض الأوراق:
- يقوم بجولة كاملة داخل البيت، ويقدّر نسبة الأوراق المصابة.
- يركّب مصائد صفراء لاصقة لمتابعة كثافة الحشرة.
- يبدأ بإزالة الأوراق الشديدة الإصابة، ويخفّف التسميد الآزوتي إن كان زائدًا.
- يستخدم رشة بزيت نباتي أو صابون زراعي أو مستحضر حيوي مناسب (بعد استشارة المختص).
- إذا استمرت الإصابة وارتفعت الكثافة، ينتقل إلى مبيد حشري مسجّل للمنّ على الخيار، يختاره بناءً على:
- المادة الفعالة
- فترة الأمان
- الأثر على النحل والأعداء الحيوية
- بعد الرش يتابع الحقل خلال الأيام التالية ويتأكد من انخفاض أعداد الحشرة، ثم يدوّن ما استخدمه ليُحسّن برنامجه في الموسم المقبل.