تُعد الطماطم والبطاطس من أهم محاصيل العائلة الباذنجانية، ولذلك تؤثر أمراضهما مباشرة في دخل المزارع والأمن الغذائي. وتأتي اللفحة المبكرة والمتأخرة في الطماطم والبطاطس في مقدمة هذه الأمراض؛ فهما يهاجمان الأوراق والسيقان، وقد يصلان إلى الثمار والدرنات، وفي الحالات الشديدة يمكن أن يسببا خسائر كبيرة في الإنتاج.
في هذا المقال سوف نتعرّف أولًا إلى الفرق بين المرضين، ثم نراجع أهم الأعراض، وأخيرًا نضع إطارًا عمليًّا لبرنامج رش وقائي ضمن إدارة متكاملة للمزرعة.
أولًا: التعريف الموجز بكل من اللفحة المبكرة والمتأخرة
1. اللفحة المبكرة (Early Blight)
- المسبب: فطر Alternaria solani (وفي الطماطم أيضًا A. tomatophila).
- العوائل الأساسية: الطماطم والبطاطس، إضافة إلى بعض الأعشاب من العائلة نفسها.
- الظروف المناسبة: جو دافئ نسبيًّا (تقريبًا 20–27°م) مع رطوبة عالية أو ندى متكرر، خاصة بعد فترات رطوبة يتبعها جفاف.
- يبدأ المرض عادةً على الأوراق السفلية الأكبر عمرًا، ثم يصعد تدريجيًّا إلى أعلى النبات.
2. اللفحة المتأخرة (Late Blight)
- المسبب: كائن قريب من الفطريات يسمى Phytophthora infestans.
- العوائل الأساسية: البطاطس والطماطم أساسًا.
- الظروف المناسبة: جو لطيف مائل إلى البرودة (حوالي 15–20°م) مع رطوبة مرتفعة وأوراق مبللة لفترات طويلة.
- يتميز بتطور سريع جدًّا؛ فالمزارع قد يلاحظ تحوّل مساحة كبيرة من الحقل إلى لون بني خلال أيام قليلة إذا توافرت الظروف الملائمة.
إذن، يمكن القول إن اللفحة المبكرة تحب الجو الدافئ، في حين تفضّل اللفحة المتأخرة الجو الأبرد مع رطوبة عالية.
ثانيًا: كيف تفرّق بين اللفحة المبكرة والمتأخرة؟
إضافة إلى اختلاف الظروف المناخية، يلاحظ المزارع فروقًا واضحة في شكل الأعراض ومكانها وسرعة انتشارها. يوضّح الجدول التالي أهم الفروق العملية:
جدول مقارنة مختصر
| العنصر | اللفحة المبكرة في الطماطم والبطاطس | اللفحة المتأخرة في الطماطم والبطاطس |
|---|---|---|
| مكان بداية الإصابة | غالبًا على الأوراق السفلية الأكبر عمرًا | يمكن أن تظهر على أي جزء من النبات، وغالبًا على الأوراق الوسطى والعليا |
| شكل البقع على الأوراق | بقع بنية دائرية أو غير منتظمة مع حلقات دائرية متتابعة (شكل هدف الرمي) وحافة غالبًا مصفّرة | بقع بنية داكنة أو زيتونية، مائية المظهر، غير منتظمة، مع هالة خضراء باهتة أحيانًا |
| وجود نمو أبيض على الورقة | عادةً لا يظهر نمو أبيض واضح | في الجو الرطب يرى المزارع نموًّا أبيض خفيفًا على السطح السفلي للحواف النشطة للبقعة |
| سرعة تطور المرض | تطور تدريجي؛ يصعد من أسفل النبات إلى أعلاه مع الوقت | تطور سريع جدًّا؛ قد يدمّر أجزاء كبيرة من الحقل في فترة قصيرة |
| الإصابة على الساق | بقع طولية غامقة مع حلقات أحيانًا | بقع بنية داكنة أو سوداء صلبة نسبياً على الساق |
| الإصابة على الثمار/الدرنات | في الطماطم: بقع سوداء مرتفعة قليلًا، عليها حلقات؛ غالبًا قرب عنق الثمرة. في البطاطس: بقع غائرة ذات حافة داكنة، والنسيج الداخلي جاف ومفتّت نسبيًّا. | في الطماطم: مساحات كبيرة بنية صلبة قد تصبح رطبة بتدخل بكتيريا ثانوية. في درنات البطاطس: تغيّر لون القشرة إلى بني أو بنفسجي مع تعفن بني يمتد تحت القشرة، ثم تصبح الدرنات لينة عند استمرار التعفن. |
| الظروف المناخية المفضّلة | دافئة مع رطوبة متقطعة (دورات بلل وجفاف) | باردة نسبيًّا مع رطوبة عالية وأوراق مبللة لعدة ساعات متصلة |
عندما يجمع المزارع بين هذه العناصر – شكل البقعة، مكانها، والظروف الجوية – يستطيع في الغالب تحديد نوع اللفحة بدقة عالية.
ثالثًا: لماذا ينتشر المرض بهذه السهولة؟
على الرغم من اختلاف المسبب، يشترك المرضان في نقاط عديدة:
- بقاء المسبب في بقايا المحصول أو الدرنات أو النباتات المتطوعة من الموسم السابق.
- انتقال الجراثيم أو الأبواغ مع الرياح، ورذاذ المطر، ومياه الري لمسافات قد تكون كبيرة.
- اعتماد الفطرين على الرطوبة السطحية على الأوراق لفترة كافية حتى تنبت الجرثومة وتخترق النسيج.
لهذا السبب، لا يكفي الاعتماد على الرش الكيميائي وحده، بل يحتاج المزارع إلى برنامج إدارة متكاملة يجمع بين النظافة الزراعية، والدورة المحصولية، واختيار الصنف، وبرنامج رش محسوب بدقة.
رابعًا: خطوات تشخيص عملي للمزارع في الحقل
عندما يلاحظ المزارع بقعًا على أوراق الطماطم أو البطاطس، يمكنه اتباع الخطوات الآتية:
- ينظر إلى مكان أول ظهور للأعراض:
- إن بدأت من الأوراق السفلية الأقدم، فغالبًا هي لفحة مبكرة.
- إن ظهرت في أماكن متفرقة وشملت أجزاء كبيرة بسرعة، فالاحتمال الأكبر هو لفحة متأخرة.
- يفحص شكل البقعة بدقة:
- إذا وجد حلقات دائرية داخلية تشبه “هدف الرماية”، فهذه علامة مميزة للّفحة المبكرة.
- إذا بدت البقعة مائية ثم تحوّلت إلى لون بني داكن مع هالة خضراء باهتة، فهذه أكثر ملاءمة للّفحة المتأخرة.
- يتحقق من وجود نمو أبيض على الوجه السفلي للبقعة عند الصباح الباكر في الجو الرطب:
- وجود هذا النمو الأبيض الرفيع يميل إلى تأكيد اللفحة المتأخرة.
- يربط الأعراض بحالة الطقس في الأيام السابقة:
- جو دافئ + ندى متكرر = بيئة مناسبة غالبًا للّفحة المبكرة.
- جو أبرد + أمطار أو رطوبة عالية مستمرة = بيئة مثالية للّفحة المتأخرة.
بهذه الطريقة يمتلك المزارع “قائمة فحص” سريعة تساعده على اتخاذ قرار مبكر ببدء برنامج الرش أو تعديله.
خامسًا: أسس برنامج وقائي فعّال للطماطم والبطاطس
1. ممارسات وقائية قبل الرش
قبل التفكير في المبيدات، من المهم أن يطبّق المزارع مجموعة من الإجراءات الزراعية التي تقلّل الضغط المرضي:
- دورة محصولية لا تقل عن 3 سنوات بعيدًا عن الطماطم والبطاطس وباقي العائلة الباذنجانية.
- إزالة بقايا المحصول والدرنات المتطوعة والحفاظ على نظافة الحقول وحوافها.
- استخدام تقاوي أو شتلات معتمدة وسليمة قدر الإمكان.
- تحسين التهوية داخل الحقل من خلال مسافات زراعة مناسبة، وربط النباتات في الطماطم، وتجنّب تزاحم النمو الخضري.
- الحرص على أن تبقى الأوراق جافة أطول وقت ممكن عبر استخدام الري بالتنقيط أو الري صباحًا، بدلاً من الرش المسائي الذي يطيل فترة البلل.
- تغذية متوازنة للنبات؛ فالنبات المجهد بالعطش أو سوء التغذية يتعرّض للإصابات بسهولة أكبر.
هذه الخطوات لا تمنع المرض تمامًا، ولكنها تخفّض حدّته وتزيد فاعلية الرشات الفطرية.
2. مبادئ عامة لبرنامج الرش الوقائي
من الأفضل أن يعتمد المزارع برنامجًا وقائيًّا موحّدًا للطماطم والبطاطس في المناطق المعروفة بتكرار إصابات اللفحة، مع مراعاة النقاط الآتية:
- بدء الرش مبكرًا:
- في المناطق المعرّضة للّفحة، يبدأ المزارع الرش عندما يكتمل المجموع الخضري ويغلق النبات على الخط، أو عند ظهور أول إصابات في المنطقة حسب نشرات الإرشاد الزراعي.
- استخدام مبيدات وقائية متعددة المواقع في البداية:
- مثل المبيدات المحتوية على مانكوزب أو كلوروثالونيل أو مركبات نحاسية؛ فهي تعمل على سطح الورقة وتؤخّر ظهور الإصابة، كما تساعد في إدارة مقاومة الفطريات للمبيدات.
- الانتقال لاحقًا إلى مبيدات جهازية أو مختلطة عند ارتفاع الضغط المرضي:
- يمكن للمزارع استخدام مبيدات ذات تأثير جهازي أو نصف جهازي ومفعول متخصص ضد اللفحات، على أن يلتزم تمامًا بتعليمات الملصق، وأن يراعي فترات ما قبل الحصاد.
- من المهم أن يدور بين مجموعات FRAC مختلفة، وألا يكرر نفس المجموعة المنفردة عدة مرات متتالية، حتى يقلّل خطر تكوّن سلالات مقاومة.
- تحديد فترة الرش:
- في الظروف المعتدلة يمكن أن تكفي فترة 10–14 يومًا بين الرشات،
- بينما في الظروف الرطبة الباردة التي تشجع اللفحة المتأخرة، من الأنسب تقصير الفاصل إلى 7 أيام تقريبًا أو حسب توصيات المرشد الزراعي في المنطقة.
- دمج مكافحة اللفحة المبكرة والمتأخرة في برنامج واحد:
- كثير من المبيدات الوقائية تحمي من الفطرين معًا، خصوصًا ما يحتوي على مانكوزب أو كلوروثالونيل،
- بينما تغطي بعض الخلطات الجهازية اللفحة المتأخرة بشكل أوسع، ويمكن للمزارع اختيارها عندما يتوقّع ظروفًا باردة ورطبة.
- تقييم فعالية البرنامج باستمرار:
- إذا لاحظ المزارع ظهور إصابات جديدة بعد الرش، فعليه مراجعة ثلاثة أمور:
- كمية ماء الرش وطريقة التغطية.
- توقيت الرش بالنسبة إلى المطر أو الري.
- التزامه بالدورة بين مجموعات المبيدات وعدم الاعتماد على مادة واحدة طوال الموسم.
- إذا لاحظ المزارع ظهور إصابات جديدة بعد الرش، فعليه مراجعة ثلاثة أمور:
سادسًا: نموذج مبسّط لبرنامج رش وقائي (للتوضيح فقط)
ملاحظة مهمة
ما يلي مجرّد نموذج تعليمي، ولا يُستخدم كبديل عن توصيات المرشد الزراعي أو تعليمات الملصق الرسمي للمبيد في كل دولة.
- مرحلة بداية الإغلاق على الخط:
- رش بمبيد وقائي (متعدد الموقع) مثل مانكوزب أو كلوروثالونيل.
- بعد 7–10 أيام (مع استمرار الظروف الملائمة للمرض):
- تكرار الرش الوقائي أو استخدام خليط يحتوي على مبيد متخصص ضد اللفحة المبكرة (Alternaria) مع مبيد وقائي.
- عند توقّع ظروف باردة رطبة أو ظهور بؤر للّفحة المتأخرة في المنطقة:
- استخدام مبيد فعّال ضد Phytophthora infestans مع خلطه أو تدويره مع مبيد وقائي،
- الاستمرار في الرش كل 7 أيام تقريبًا حتى تخفّ الظروف الملائمة أو يقترب موعد الحصاد ضمن فترات الأمان.
بهذه الفكرة يبقى البرنامج مرنًا؛ فالمزارع يرفع مستوى الحماية حين يرتفع خطر الإصابة، ويقلّله عندما تنخفض الرطوبة أو الحرارة الملائمة للمرض.
في الختام
عندما يفهم المزارع الفرق بين اللفحة المبكرة والمتأخرة، يصبح قادرًا على اتخاذ قرارات سريعة وصحيحة:
- يراقب شكل البقع ومكانها،
- يربط الأعراض بحالة الجو،
- ويطبّق إدارة متكاملة تجمع بين الدورة المحصولية، والنظافة الزراعية، والري الجيد، وبرنامج رش وقائي محسوب.
بهذه الخطوات لا يقتصر الهدف على إنقاذ محصول موسم واحد، بل يشمل أيضًا الحفاظ على فعالية المبيدات وتقليل تكلفة الإنتاج على المدى الطويل.