مقدمة
تغذية النبات ليست مجرد اختيار نوع سماد ووضعه في الحقل، بل هي قرار إدارة يؤثر في التربة، والمحصول، والتكلفة على المدى القصير والطويل.
أكثر سؤال يتكرر عند المزارعين وأصحاب المشروعات الزراعية هو:
هل أستخدم السماد العضوي أم السماد الكيميائي؟ وأيهما أفضل؟
الحقيقة أنّ لكل نوع دوره ومجاله، وغالبًا ما يكون الدمج بينهما هو الخيار الأكثر توازنًا.
في هذا المقال سنشرح الفرق بين التسميد العضوي والتسميد الكيميائي من حيث:
- المحتوى الغذائي
- سرعة التأثير
- الأثر على التربة
- التكلفة
- مع أمثلة عملية لبرنامج تسميد متوازن يجمع بينهما.
أولاً: ما هو السماد العضوي؟
تعريف مبسّط
السماد العضوي هو سماد مصدره مواد طبيعية عضوية مثل:
- روث الحيوانات بمختلف أنواعه
- الكومبوست (تحليل بقايا نباتية + روث + مواد عضوية أخرى)
- بقايا النباتات المتحلّلة
- السماد الأخضر (محاصيل تُحرث في التربة وهي خضراء)
المادة الأساسية فيه هي المادة العضوية، إضافة إلى كميات من العناصر الغذائية (نيتروجين، فسفور، بوتاسيوم، عناصر صغرى…).
أهم ما يميّز السماد العضوي
- يزوّد التربة بالمادة العضوية التي:
- تحسّن بناء التربة وتركيبها.
- ترفع قدرتها على الاحتفاظ بالماء.
- تنشّط الكائنات الحية الدقيقة النافعة.
- تأثيره غالبًا تراكمي وبطيء نسبيًا، لكنه يستمر لفترات أطول.
- يساهم في تحسين خصوبة التربة على المدى البعيد، وليس فقط تغذية النبات في الموسم الحالي.
ثانياً: ما هو السماد الكيميائي (المعدني)؟
تعريف مبسّط
السماد الكيميائي (أو المعدني / غير العضوي) هو سماد يُحضَّر صناعيًا أو يُستخلص ويُنقّى ليحتوي على عناصر غذائية للنبات بتركيزات عالية، مثل:
- اليوريا
- نترات الأمونيوم
- سوبر فوسفات
- نترات البوتاسيوم
- أسمدة مركّبة NPK بأنواعها
تُقدّم هذه الأسمدة العناصر الغذائية في صورة سريعة الذوبان وسهلة الامتصاص للنبات.
أهم ما يميّز السماد الكيميائي
- تركيز غذائي مرتفع؛ كمية قليلة تعطي كمية كبيرة من العناصر.
- سرعة تأثير عالية؛ يظهر أثره على النبات خلال فترة قصيرة نسبيًا.
- سهل في الضبط والحساب (جرعة بالكيلوجرام/الدونم أو حسب برنامج التسميد مع الري).
ثالثاً: مقارنة بين التسميد العضوي والتسميد الكيميائي
1. المحتوى الغذائي
- السماد العضوي
- تركيز العناصر الغذائية فيه منخفض نسبيًا.
- نسب NPK متواضعة، لكنّه يضيف عناصر صغرى ومركّبات عضوية مفيدة.
- يهمّ التربة بقدر ما يهمّ النبات.
- السماد الكيميائي
- تركيز العناصر مرتفع (أسمدة نيتروجينية تصل إلى 30–46% نيتروجين مثلاً).
- يمكن اختيار التركيبة بدقّة حسب احتياج المحصول (مثل 20-20-20 أو 15-5-30 …).
2. سرعة التأثير
- السماد العضوي
- يحتاج إلى وقت حتى يتحلّل وتصبح العناصر الغذائية متاحة للنبات.
- تأثيره بطيء تدريجي، وغالبًا لا يعطي استجابة سريعة في حالات النقص الحاد.
- السماد الكيميائي
- سريع الذوبان وسريع الامتصاص.
- يعطي استجابة سريعة نسبيًا في لون النبات ونموّه عند وجود نقص في العناصر.
3. الأثر على التربة
- السماد العضوي
- يحسّن بناء التربة، ويزيد من قدرتها على الاحتفاظ بالماء والهواء.
- ينشّط الكائنات الحية الدقيقة النافعة، مما يرفع النشاط الحيوي في التربة.
- يقلّل من خطر تدهور التربة على المدى البعيد.
- السماد الكيميائي
- لا يزوّد التربة بالمادة العضوية.
- الاستخدام المفرط وغير المتوازن قد يؤدي إلى:
- زيادة ملوحة التربة.
- اختلال توازن العناصر الغذائية.
- ضعف النشاط الحيوي للتربة مع الزمن.
4. التكلفة
- السماد العضوي
- إذا كان متوفّرًا محليًا قد تكون تكلفته المادية للطن منخفضة،
لكن تكلفته من حيث النقل والعمالة والتوزيع أعلى. - يحتاج كميات كبيرة نسبيًا (أطنان/دونم في بعض الحالات).
- إذا كان متوفّرًا محليًا قد تكون تكلفته المادية للطن منخفضة،
- السماد الكيميائي
- ثمن الكيلوجرام أعلى، لكن الجرعة لكل دونم أقل بكثير من السماد العضوي.
- يسهل نقله وتخزينه وتوزيعه مقارنة بكميات كبيرة من السماد العضوي.
5. سهولة الاستخدام
- السماد العضوي
- يحتاج إلى تجهيز مسبق (تخمير، تحلل جيد، توزيع ثم حرث أو خلط بالتربة).
- يفضَّل إضافته قبل الزراعة أو في بداية الموسم.
- السماد الكيميائي
- يمكن إضافته على دفعات أثناء الموسم.
- يناسب التسميد مع مياه الري (الري السمّادي) في الأنظمة الحديثة.
رابعاً: متى نستخدم التسميد العضوي؟
التسميد العضوي يكون مفضّلًا في الحالات التالية:
- تحسين التربة على المدى الطويل
- إذا كانت التربة فقيرة بالمادة العضوية، متماسكة جدًّا أو رملية خفيفة.
- مرحلة إعداد الأرض قبل الزراعة
- يُنصح بإضافة السماد العضوي المتحلّل جيدًا وحَرثه في التربة قبل زراعة المحصول.
- المزارع التي تهدف إلى إنتاج أقرب إلى “الزراعة النظيفة” أو “الصديقة للبيئة”
- شرط أن تكون كميات واختيارات الأسمدة العضوية مدروسة.
- دعم الأشجار الدائمة
- في البساتين، يُضاف السماد العضوي في خنادق أو أحواض حول الأشجار لتحسين محيط الجذور على المدى البعيد.
ملاحظة:
يُفضّل استخدام السماد العضوي متحلّلًا جيدًا لتجنّب انتشار بذور الحشائش أو الأمراض.
خامساً: متى نستخدم التسميد الكيميائي؟
التسميد الكيميائي يكون أكثر ملاءمة عندما نحتاج إلى:
- استجابة سريعة للنبات
- عند ظهور أعراض نقص واضحة (اصفرار، ضعف نمو،…)، نحتاج إلى مصدر سريع للعناصر.
- تغذية دقيقة حسب مرحلة النمو
- مثل زيادة البوتاسيوم في مرحلة إثمار، أو زيادة الفسفور في بداية النمو الجذري.
- العمل مع أنظمة الري الحديثة (التنقيط، الرش)
- إذ يمكن إذابة السماد وإدخاله مع مياه الري بسهولة.
- رفع الإنتاج في محاصيل عالية القيمة
- مثل الخضار المكثفة، أو المحاصيل التجارية التي تتطلب إنتاجية عالية.
المهم هنا هو الالتزام ببرامج تسميد مدروسة وعدم المبالغة في الجرعات لتجنّب الأثر السلبي على التربة والمياه الجوفية.
سادساً: هل التسميد العضوي أفضل أم الكيميائي؟
السؤال الأصح ليس: “أيّهما أفضل؟”
بل:
كيف نستخدم كل واحد منهما في المكان الصحيح وبالكمية الصحيحة؟
- الاعتماد فقط على السماد العضوي قد لا يكفي لتغطية الاحتياجات العالية لبعض المحاصيل المكثفة في الزمن المناسب.
- الاعتماد فقط على السماد الكيميائي وإهمال المادة العضوية يعرّض التربة مع الوقت لضعف البناء وتراجع النشاط الحيوي.
لذلك يتّجه التفكير الحديث نحو:
برنامج تسميد متوازن يجمع بين العضوي والكيميائي.
سابعاً: مثال عملي لبرنامج متوازن يدمج التسميد العضوي والكيميائي
1) مثال لمزرعة خضار (مساحة صغيرة أو متوسطة)
قبل الزراعة
- إضافة سماد عضوي متحلّل (مثل كومبوست أو روث متخمّر) بكمية مناسبة للدونم حسب تحليل التربة.
- خلطه جيدًا مع الطبقة السطحية للتربة بالحرث.
الهدف:
- رفع نسبة المادة العضوية.
- تحسين بناء التربة وقدرتها على الاحتفاظ بالماء.
أثناء الموسم
- استخدام أسمدة كيميائية ذائبة مع مياه الري بالتنقيط، وفق برنامج أسبوعي أو نصف أسبوعي يشمل:
- مصدر للنيتروجين (في مراحل النمو الخضري).
- مصدر للفسفور والبوتاسيوم (خاصة قبل وأثناء الإزهار والعقد).
- إضافة عناصر صغرى عند الحاجة.
بهذا الأسلوب:
- السماد العضوي يخدم التربة على المدى الطويل.
- السماد الكيميائي يخدم النبات بدقة حسب احتياجاته في كل مرحلة.
2) مثال لبستان أشجار مثمرة
مرة أو مرتين في العام
- إضافة سماد عضوي متحلّل حول الأشجار (في أحواض أو خنادق نصف دائرية)، ثم تغطيته بالتربة.
- يُفضّل أن يكون ذلك قبل موسم النمو أو بعد الجني حسب نوع المحصول.
على مدار الموسم
- استخدام التسميد الكيميائي بجرعات محسوبة، إمّا:
- نثرًا حول الأشجار وريًّا بعده،
- أو عبر شبكة الري بالتنقيط.
مع مراعاة:
- زيادة النيتروجين في بداية النمو.
- التركيز على البوتاسيوم في مراحل الإثمار.
- توازن الفسفور حسب الحالة.
ثامناً: أخطاء شائعة في التعامل مع التسميد العضوي والكيميائي
- الاعتقاد بأن السماد العضوي “يكفي لكل شيء” مهما كان نوع المحصول أو مستوى الإنتاج المطلوب.
- المبالغة في التسميد الكيميائي ظنًّا أن الزيادة تعني زيادة في الإنتاج دائمًا.
- استخدام سماد عضوي غير متحلّل، مما قد يجلب الحشائش أو يستهلك النيتروجين من التربة في بداية التحلل.
- خلط أنواع أسمدة كيميائية دون مراعاة التوافق بينها أو احتياج النبات الفعلي.
- إهمال تحليل التربة أو ملاحظة النبات، والاعتماد على برامج ثابتة لا تتغير.
خاتمة
التسميد العضوي والتسميد الكيميائي ليس أحدهما عدوًا للآخر، بل هما أداتان يمكن الجمع بينهما للحصول على:
- تربة صحية وغنية على المدى الطويل.
- نبات قوي ذو إنتاجية عالية.
- إدارة أفضل للمياه والعناصر الغذائية.
المزارع الذكي لا يبحث عن “إلغاء نوع واختيار آخر”، بل يبحث عن التوازن:
سماد عضوي يُغذّي التربة،
وسماد كيميائي مدروس يُغذّي النبات في الوقت المناسب وبالكمية المناسبة.