استخدام الطائرات بدون طيار (الدرون) في الزراعة لم يعد “رفاهية تقنية”، بل صار أداة عملية تساعد المزارع على رؤية الحقل كخريطة واحدة بدل الاعتماد على معاينة عيّنات قليلة. والأهم أنها تختصر الوقت، وتكشف المشكلات مبكرًا، وتدعم قرارات الري والتسميد والمكافحة بشكل أدق.

ماذا يقدّم الدرون للمزارع فعليًا؟

عند تزويد الدرون بكاميرات مناسبة (عادية أو متعددة الأطياف أو حرارية)، يمكنه أن يساعد في:

  • رصد تفاوت النمو داخل الحقل (بقع ضعيفة/مناطق قوية).
  • كشف إجهاد الري أو مناطق نقص الماء/توزيع ري غير متجانس، خصوصًا عند دمج الصور متعددة الأطياف أو الحرارية مع المعاينة الميدانية.
  • دعم اكتشاف مؤشرات الآفات والأمراض والأعشاب عبر خرائط تغيرات اللون/الكثافة النباتية، ثم التحقق ميدانيًا قبل اتخاذ قرار المكافحة.
  • تقييم نقص العناصر أو ضعف الخصوبة على شكل “بقع” متكررة، ثم ربطها بتحليل تربة/أوراق.

مهم: الدرون يقدّم “إشارة” قوية، لكنه لا يغني عن التحقق على الأرض (Ground truthing). أي قرار رش أو تسميد يجب أن يمرّ بمعاينة ميدانية.

أنواع التصوير: متى تكفي الكاميرا العادية؟ ومتى تحتاج متعددة الأطياف؟

1) كاميرا RGB (تصوير عادي)

مناسبة عندما تريد:

  • متابعة عامة للنمو، وعدّ الأشجار، وتحديد مناطق تلف واضحة، وتوثيق الحقل.
    هي الأرخص والأسهل، لكنها أضعف في كشف الإجهاد المبكر.

2) كاميرا متعددة الأطياف Multispectral

مفيدة عندما تريد:

  • مؤشرات مثل NDVI وغيرها لتقدير “حيوية النبات” وتفاوت الغطاء النباتي.
    هذه الكاميرات تساعد على رؤية الإجهاد قبل أن يظهر بوضوح للعين.

3) كاميرا حرارية Thermal

مفيدة عندما تريد:

  • رصد فروقات “حرارة المجموع الخضري” التي ترتبط غالبًا بإجهاد مائي/تبخر-نتح، خاصة في أيام الحر.
    وتزداد القوة التشخيصية عند دمج الحراري مع متعدد الأطياف، لأن الدمج يساعد في التفريق بين إجهاد الجفاف وأسباب أخرى في بعض الحالات.

كيف ينتقل المزارع من “صورة جميلة” إلى “قرار زراعي”؟

هذه هي السلسلة الصحيحة للعمل (وهي التي تجعل الدرون مفيدًا فعلًا):

1) حدّد سؤالًا واحدًا قبل الطيران

مثلًا:

  • أين مناطق نقص الري؟
  • أين البقع الضعيفة التي تحتاج فحصًا؟
  • هل يوجد تفاوت تسميد؟

كلما كان السؤال واضحًا، خرجت بنتيجة أفضل.

2) خطّط مهمة الطيران

  • اختر وقتًا مناسبًا (غالبًا صباحًا أو عصرًا لتقليل ظلال قاسية).
  • حافظ على ارتفاع ومسار ثابتين قدر الإمكان.
  • ركّز على تداخل الصور (Overlap) جيدًا حتى تنتج خريطة دقيقة.

3) اصنع خريطة ثم حلّلها

عادة ينتج عن المعالجة:

  • Ortho-mosaic (خريطة صورة واحدة للحقل)
  • خرائط مؤشرات نباتية (مثل NDVI) إذا كانت الكاميرا متعددة الأطياف

4) انزل للحقل وتحقق من “النقاط الساخنة”

اختر 5–10 نقاط من البقع المشبوهة وافحص:

  • رطوبة التربة/انسداد نقاط التنقيط
  • أعراض مرض/حشرة
  • ملوحة/تغذية
    ثم اربط الملاحظة بالخريطة، وقرّر.

5) طبّق إدارة موجهة بدل المعاملة الشاملة

مثلًا:

  • إصلاح الري في منطقة محددة بدل زيادة الماء للحقل كله.
  • معالجة موضعية (Spot treatment) بدل رش شامل.
  • تسميد متغير حسب الحاجة إن توفرت الإمكانات.

أمثلة واقعية: ماذا يمكن اكتشافه في الحقول؟

نقص أو خلل في الري

الدراسات تشير إلى أن صور الدرون متعددة الأطياف يمكن أن تساعد في رسم خرائط الإجهاد المائي بدقة عالية داخل الحقول.
كما استخدمت أبحاث أخرى تصوير الدرون (متعدد الأطياف/حراري) في تقييم تجانس الري ورصد فروقات التوزيع.

بقع مرضية أو إصابات حشرية

الدرون قد يلتقط “اختلافًا” في لون/كثافة الغطاء النباتي يشير لمشكلة، ثم تؤكدها بالمعاينة (وجود آفة/مرض/حشائش).

نقص عناصر أو ضعف خصوبة

قد تظهر “بقع” ضعف ثابتة تتكرر مع الزمن، وهنا تربطها بتحليل تربة/أوراق وتصحح التغذية بدل الاجتهاد.

السلامة والقوانين: ماذا يجب أن يضعه المزارع في الحسبان؟

القوانين تختلف من بلد لآخر، لذلك القاعدة الأهم: ارجع للجهة الرسمية للطيران المدني في بلدك قبل أي تشغيل.

ومع ذلك، هناك مبادئ شائعة تذكرها جهات تنظيمية كبرى، مثل:

  • تشغيل الدرون ضمن مدى الرؤية المباشرة (VLOS) في كثير من الأطر التنظيمية.
  • حدود ارتفاع شائعة: في إطار “الفئة المفتوحة” لدى EASA يُذكر حد 120 مترًا، وفي قواعد FAA الشائعة يُذكر حد 400 قدم فوق سطح الأرض ضمن ضوابط.
  • تجنّب الطيران قرب المطارات والمناطق الحساسة، وتجنب الطيران فوق تجمعات الناس، واحترام الخصوصية وممتلكات الآخرين.

نصائح سلامة عملية داخل المزرعة:

  • لا تطير في رياح قوية أو رؤية ضعيفة.
  • أبقِ مسافة آمنة عن العمال والمعدات وخطوط الكهرباء.
  • وثّق خطة الطيران، واحتفظ بخطة هبوط اضطراري.

أخطاء شائعة تقلل فائدة الدرون

  • الاعتماد على الخريطة دون فحص ميداني.
  • الطيران في أوقات ظل قوي ثم تفسير النتائج بشكل خاطئ.
  • استخدام NDVI كأنه “تشخيص نهائي” بدل اعتباره مؤشرًا يحتاج تأكيدًا.
  • تصوير مرة واحدة فقط؛ الأفضل تكرار التصوير في مراحل نمو محددة لمقارنة التغيرات.

خلاصة

الدرون يخدم المزارع عندما يستخدمه كمنظومة: تصوير → خريطة → نقاط ساخنة → معاينة ميدانية → قرار موجه. بهذه الطريقة تستطيع اكتشاف مناطق نقص الري أو الإجهاد مبكرًا، وتقليل الهدر، وتحسين الإنتاج، مع الالتزام بقوانين الطيران والسلامة في بلدك.