مقدمة
التسميد جزء أساسي من إدارة أي مزرعة، لكن طريقة إضافة السماد لا تقلّ أهمية عن نوع السماد نفسه.
في كثير من المزارع يُضاف السماد يدويًا في صورة نثر على التربة أو خلط في الجور، مما قد يؤدي إلى:
- توزيع غير متجانس للسماد بين النباتات.
- فقد جزء من العناصر الغذائية بالغسيل مع مياه الري.
- زيادة التكلفة والجهد في العمالة.
لذلك انتشر ما يُعرف بـ التسميد مع مياه الري (Fertigation)، أي حقن السماد داخل شبكة الري، خصوصًا مع أنظمة الريّ بالتنقيط والرش.
هذا المقال يقدّم شرحًا مبسّطًا لفكرة التسميد عبر مياه الري، مميزاته، ما يحتاجه من تجهيزات، وكيفية إعداد برنامج تسميد عملي للمزارع الصغيرة.
أولًا: ما هو التسميد مع مياه الري؟
التسميد مع مياه الري هو أسلوب تُضاف فيه الأسمدة الذائبة في الماء إلى شبكة الريّ، بحيث تصل العناصر الغذائية إلى منطقة الجذور مع كل رية أو مع عدد من الريّات المتتابعة.
يُستخدم هذا الأسلوب بشكل خاص مع:
- الريّ بالتنقيط
- الريّ بالرش
- وبعض أنظمة الريّ تحت السطحي
الفكرة الأساسية:
- إذابة السماد في خزان أو وعاء مخصص.
- إدخال محلول السماد إلى شبكة الري عبر:
- محقن فنتوري، أو
- مضخة حقن صغيرة.
- اختلاط السماد بالماء وتوزيعه على النباتات مع استمرار الري.
ثانيًا: مزايا التسميد مع مياه الري
1. دقة أعلى في توزيع السماد
كل نقطة ريّ أو نقّاطة أو رشاش يعطي تقريبًا نفس الكمية من الماء والسماد، مما يحقّق:
- توزيع متجانس للعناصر الغذائية بين النباتات.
- تجنّب حصول بعض النباتات على جرعات زائدة وأخرى ناقصة.
2. رفع كفاءة استخدام السماد
بدل إضافة كمية كبيرة من السماد مرة واحدة، يمكن تقسيم الكميات على عدة دفعات صغيرة، ما يساعد على:
- تقليل الفاقد بالغسيل.
- جعل السماد متاحًا للنبات في الوقت الذي يحتاجه فعلاً.
3. تقليل الجهد والعمالة
لا يحتاج المزارع إلى نثر السماد يدويًا حول النباتات، خاصة في المزارع التي تحتوي على عدد كبير من الشتلات أو الأشجار.
4. إمكانية تعديل البرنامج بسرعة
يمكن تعديل التركيز أو نوع السماد من أسبوع لآخر أو حسب مرحلة نمو النبات، بدون أعمال حفر أو توزيع يدوي جديد.
ثالثًا: بعض التحديات أو العيوب
- الحاجة إلى أسمدة ذات ذوبان عالٍ في الماء، وقد تكون أعلى تكلفة من بعض الأسمدة التقليدية.
- ضرورة وجود فلترة جيدة حتى لا تترسّب بعض المواد وتسبّب انسداد النقّاطات.
- في حال سوء التصميم أو الإدارة، قد يحدث:
- توزيع غير منتظم للسماد.
- ترسيبات داخل الأنابيب أو خلط غير صحيح للمواد.
لذلك يفضَّل أن يُصمَّم النظام ويُضبط البرنامج بالتعاون مع مختص زراعي أو مهندس ري.
رابعًا: مكوّنات وحدة التسميد في شبكة الري
تختلف التفاصيل حسب حجم المشروع، لكن غالبًا تتكوّن وحدة التسميد من:
- خزان التسميد
- وعاء أو خزان يُذاب فيه السماد في الماء.
- يجب أن يكون مقاومًا للتآكل، بسعة مناسبة (قد تكون من 50 إلى عدة مئات من اللترات حسب حجم الشبكة).
- محقن فنتوري (Venturi Injector)
- جهاز يعتمد على فرق الضغط لسحب محلول السماد من الخزان إلى خط الري.
- يُعد مناسبًا للمزارع الصغيرة والمتوسطة بسبب بساطته وقلة تكلفته.
- مضخة حقن (في الأنظمة الأكبر)
- مضخة صغيرة تضخ محلول السماد بنسب محددة إلى الخط الرئيسي.
- صمامات عدم رجوع (Check Valves)
- تمنع رجوع مياه الشبكة إلى خزان التسميد أو الخزانات الأخرى.
- عنصر مهم للسلامة وحماية مصدر المياه.
- الفلاتر
- يجب أن تكون الفلترة قبل وبعد وحدة التسميد جيدة، خاصة في أنظمة الري بالتنقيط.
خامسًا: أنواع الأسمدة المناسبة للتسميد مع مياه الري
ليس كل سماد يناسب الإضافة عبر شبكة الري. من الخصائص المطلوبة:
- قابلية عالية للذوبان في الماء.
- عدم تكوين رواسب أو كتل.
- ثبات نسبي في المحلول خلال فترة الاستخدام.
أمثلة على أسمدة قابلة للذوبان
- نترات الكالسيوم (Calcium Nitrate).
- نترات البوتاسيوم (Potassium Nitrate).
- يوريا (Urea) – في بعض البرامج وبجرعات مدروسة.
- أسمدة مركّبة NPK ذائبة بالكامل.
- سلفات المغنيسيوم (في بعض الحالات) بعد مراعاة توافقها مع الأسمدة الأخرى.
محاذير خلط الأسمدة
- بعض الأسمدة لا تختلط معًا في خزان واحد، لأنها قد تُكوِّن رواسب (مثل خلط كالسيوم مع فسفور في نفس الخزان).
- في كثير من الحالات يُفضَّل استخدام خزانين منفصلين:
- خزان لأسمدة النيتروجين والبوتاسيوم.
- خزان لأسمدة الفسفور أو الكالسيوم، حسب البرنامج.
سادسًا: خطوات إعداد برنامج تسميد مع مياه الري
1. تحديد احتياج المحصول من العناصر الغذائية
يعتمد على:
- نوع المحصول.
- كمية الإنتاج المستهدفة.
- تحليل التربة (إن أمكن).
مثال: محصول خضار مثل الطماطم يحتاج إلى كميات محددة من النيتروجين والفسفور والبوتاسيوم على مدار الموسم، تُوزَّع على مراحل النمو المختلفة (بداية النمو، التزهير، العقد، امتلاء الثمار).
2. تقسيم كمية السماد على أسابيع أو ريات
بدلاً من إضافة 100% من السماد دفعة واحدة في بداية الموسم، يمكن تقسيمه إلى جرعات أسبوعية أو نصف أسبوعية.
هذا الأسلوب يساعد على:
- تغذية النبات حسب مرحلته الفعلية.
- تقليل الفاقد بالغسيل.
3. الربط بين زمن الري وكمية السماد
نحتاج معرفة:
- تصريف شبكة الري (كم م³/ساعة).
- زمن الري في اليوم أو الأسبوع.
- تركيز السماد المطلوب في ماء الري (جرام/لتر أو كجم/م³).
سابعًا: مثال تطبيقي مبسّط لمزرعة خضار بالتنقيط (مساحة 1 دونم)
هذا مثال إرشادي مبسط، يمكن تعديله حسب التربة والمحصول وتحليل المياه.
معطيات عامة
- مساحة: 1000 م².
- نظام الري: تنقيط، تصريف الشبكة عند تشغيل قطاع واحد ≈ 1 م³/ساعة.
- زمن الري اليومي في منتصف الموسم: 1 ساعة/اليوم (تقسّم على فترتين مثلاً).
- المطلوب: إضافة 4 كجم نيتروجين في الأسبوع (كمثال تقريبي).
اختيار السماد
- لنفترض استخدام يوريا (46% نيتروجين) كمصدر للنيتروجين في هذه المرحلة.
حساب كمية اليوريا الأسبوعية
كمية اليوريا المطلوبة =
كمية النيتروجين المطلوبة ÷ نسبة النيتروجين في السماد
= 4 كجم نيتروجين ÷ 0.46 ≈ 8.7 كجم يوريا/أسبوع
يمكن تقريبها إلى 8.5–9 كجم/أسبوع حسب الدقة المطلوبة.
توزيع الجرعة على أيام الأسبوع
يمكن توزيع الجرعة على 3–4 أيام تسميد في الأسبوع بدلًا من يوم واحد، مثلاً:
- حوالي 2–2.5 كجم يوريا في كل يوم تسميد.
طريقة الإضافة في اليوم الواحد
- إذابة 2–2.5 كجم يوريا في خزان التسميد (مثلاً 100–200 لتر ماء).
- تشغيل الريّ بدون سماد لفترة قصيرة (10–15 دقيقة) لترطيب الشبكة.
- تشغيل محقن الفنتوري أو مضخة الحقن لإدخال محلول السماد خلال جزء من زمن الري (مثلاً 30 دقيقة).
- بعد الانتهاء من إدخال السماد، يُفضَّل الاستمرار في الري بماء صافٍ 10–15 دقيقة أخرى لـ:
- غسل الخطوط من بقايا المحلول المركّز.
- التأكد من وصول السماد إلى منطقة الجذور وعدم تركيزه في بداية الخطوط فقط.
ثامنًا: خطوات عملية للتسميد في يوم الري
- تجهيز محلول السماد
- ملء خزان التسميد بكمية ماء مناسبة.
- إضافة السماد بالتدريج مع التحريك الجيد حتى يذوب تمامًا.
- تشغيل شبكة الريّ بالماء فقط لفترة قصيرة
- لضمان امتلاء الخطوط بالماء وتحسين سحب المحلول من خزان التسميد.
- بدء حقن السماد
- ضبط محقن الفنتوري أو مضخة الحقن على المعدل المطلوب.
- مراقبة مستوى المحلول في خزان التسميد للتأكد من سحب الكمية المستهدفة.
- إيقاف الحقن والاستمرار في الريّ بماء صافٍ
- لمدة 10–15 دقيقة لغسل الشبكة من أي محلول مركز.
- تسجيل ما تم عمله
- نوع السماد، الكمية، تاريخ الإضافة، ومرحلة نمو النبات.
تاسعًا: أخطاء شائعة يجب تجنّبها
- إذابة كمية كبيرة من السماد في خزان صغير بشكل مركز جدًا دون حساب، مما قد يسبّب أضرارًا للجذور.
- خلط أسمدة غير متوافقة في خزان واحد، فتتكوّن ترسيبات تسدّ الأنابيب والنقّاطات.
- التسميد في أوقات شديدة الحرارة مع ريّ محدود، مما يزيد ملوحة التربة بالقرب من الجذور.
- الاعتماد على التسميد مع الري دون أيّ مراجعة لنتائج النبات (لون الأوراق، النمو، تحليل التربة أو الأوراق إن أمكن).
عاشرًا: نصائح عملية للمزارع الصغير
- البدء ببرنامج تسميد بسيط وواضح، ثم تطويره تدريجيًا مع اكتساب الخبرة.
- استخدام أسمدة عالية الذوبان ومصممة خصيصًا للري بالتنقيط أو الرش.
- تنظيف الفلاتر بانتظام، ومراقبة ضغط الشبكة للتأكد من عدم وجود انسداد.
- الاحتفاظ بدفتر يسجّل فيه:
- نوع وكمية السماد.
- مواعيد الإضافة.
- ملاحظات على نموّ النباتات.
بهذا الأسلوب يتحوّل التسميد مع مياه الري من مجرّد إضافة سماد إلى أداة دقيقة لإدارة تغذية النبات، تساعد على رفع الإنتاج وتقليل الهدر في الماء والسماد والوقت في آن واحد.