عندما نسمع كلمة “تسميد” يتبادر إلى الذهن عادةً إضافة السماد للتربة أو مع مياه الري، ليصل إلى الجذور ثم يُمتَصّ.
لكن هناك طريقًا آخر للعناصر الغذائية هو الأوراق؛ وهنا يأتي دور التسميد الورقي.

التسميد الورقي لا يُفترض أن يكون بديلاً كاملاً للتسميد الأرضي، بل هو أداة مساندة نلجأ إليها في مواقف معيّنة، خصوصًا عند حدوث نقص حاد أو صعوبة امتصاص بعض العناصر من التربة.

في هذا المقال نشرح بطريقة مبسطة:

  • ما هو التسميد الورقي؟
  • ما مميزاته وعيوبه؟
  • متى يكون مفيدًا فعلًا؟
  • وما أمثلة العناصر الشائعة في التسميد الورقي؟

أولًا: ما هو التسميد الورقي؟

التسميد الورقي يعني رشّ محلول سماد ذائب في الماء على المجموع الخضري (الأوراق، أحيانًا السيقان الخضراء)، بحيث تمتصه الأوراق مباشرة عبر:

  • الثُّغور (الفتحات الصغيرة على سطح الورقة)
  • البشرة والأنسجة السطحية

بهذا الشكل تصل العناصر الغذائية إلى داخل النبات دون المرور أولًا من التربة والجذور، وهو ما يفسّر سرعة استجابة النبات في كثير من الحالات.

ثانيًا: مميزات التسميد الورقي

1. استجابة سريعة نسبيًا

عند وجود نقص حاد في عنصر معيّن (مثل الحديد أو الزنك)، قد يستغرق التسميد الأرضي وقتًا حتى يذوب السماد ويصل إلى الجذور ثم ينتقل داخل النبات.
أما في التسميد الورقي، فالعنصر يصل مباشرة إلى الأنسجة الخضراء، ولذلك:

  • قد نرى تحسنًا تدريجيًا خلال أيام، وليس أسابيع.

2. مفيد عندما تكون الجذور في حالة ضعف

في بعض الظروف تكون الجذور غير نشطة بما يكفي لامتصاص العناصر، مثل:

  • برودة شديدة في التربة.
  • تشبّع التربة بالماء وتعفّن الجذور.
  • تربة شديدة الملوحة أو قلوية تُقيّد امتصاص بعض العناصر.

في هذه الحالات، يمكن للتسميد الورقي أن يخفّف من شدة النقص إلى أن تتحسن حالة الجذور والتربة.

3. إمكانية استخدام كميات أقل من السماد

لأن السماد يذهب مباشرة إلى مكان الاستفادة، يمكن غالبًا استخدام كميات أقل بكثير من العنصر مقارنة بالتسميد الأرضي، مع مراعاة الالتزام بتركيزات الرش الموصى بها.

4. تصحيح نقص العناصر الصغرى

العناصر الصغرى مثل: الحديد، والزنك، والمنغنيز، والبورون…
غالبًا ما تكون مشكلتها ليست في قلة الكمية في التربة، بل في صعوبة توافرها للنبات (خاصة في الأراضي القلوية).
التسميد الورقي هنا وسيلة فعّالة لإيصال هذه العناصر للنبات مباشرة.

ثالثًا: متى نلجأ إلى التسميد الورقي؟

يمكن تلخيص أهم الحالات التي يَصلُح فيها التسميد الورقي كأداة مساعدة:

  1. وجود أعراض نقص حاد وواضح
    • مثل اصفرار بين العروق في الأوراق الحديثة (نقص حديد)،
    • أو اصفرار على الأوراق المسنة مع بقع (نقص مغنيسيوم أو منغنيز)…
      فيتم رش العنصر الناقص بنسب مدروسة.
  2. صعوبة امتصاص العنصر من التربة
    • تربة عالية القلوية (pH مرتفع) تقيد امتصاص الحديد والزنك والمنغنيز.
    • تربة كلسية (غنية بالكربونات) تربط الفسفور وبعض العناصر الصغرى.
  3. فترات حرجة من عمر المحصول
    • قبل أو أثناء التزهير والعقد، حيث يُستخدم أحيانًا رشّ بورون أو كالسيوم أو خليط عناصر صغرى لتحسين العقد وجودة الثمار (حسب المحصول والتوصيات المحلية).
  4. عند الرغبة في دعم النبات بسرعة
    • بعد تعرّضه لإجهاد (حرارة عالية، رياح شديدة، صقيع…)
    • حيث تُستخدم رَشّات خفيفة من بعض العناصر أو الأحماض الأمينية التجارية – إن وُجدت وبالجرعات الموصى بها.

المهم: التسميد الورقي هنا إسعاف سريع، وليس حلًا دائمًا لمشكلة تربة سيئة أو برنامج تسميد جذري ضعيف.

رابعًا: حدود التسميد الورقي ولماذا لا يغني عن التسميد الأرضي؟

1. كمية العناصر التي يمكن توفيرها عبر الأوراق محدودة

النبات يحتاج كميات كبيرة من عناصر مثل:

  • النيتروجين
  • الفوسفور
  • البوتاسيوم

لا يمكن عمليًا تغطية هذه الاحتياجات الكبيرة بالكامل عن طريق الرش الورقي؛ لأن:

  • تركيز المحلول يجب أن يبقى منخفضًا حتى لا يحرق الأوراق.
  • سطح الأوراق وقدرتها على الامتصاص لا يكفيان لتغطية كل الاحتياج.

لذلك يبقى التسميد الأرضي أو مع مياه الري هو الأساس، والتسميد الورقي هو مكمّل.

2. خطر حرق الأوراق عند الاستخدام الخاطئ

زيادة تركيز السماد في ماء الرش، أو الرش في وقت شديد الحرارة أو الجفاف، قد يسبب:

  • احتراق حواف الأوراق.
  • ظهور بقع بنية أو شفافة على الأوراق.
  • تساقط بعض الأوراق في الحالات الشديدة.

3. يعتمد على ظروف الجو ووقت الرش

التسميد الورقي يحتاج:

  • جوًّا معتدلًا نسبيًا،
  • عدم وجود رياح شديدة،
  • عدم توقع سقوط مطر يغسل المحلول من على الأوراق مباشرة بعد الرش.

في الأجواء الحارة جدًا والجافة أو الممطرة باستمرار، يصبح استخدامه أصعب.

4. لا يعالج مشكلة التربة نفسها

لو كانت التربة شديدة الملوحة أو سيئة الصرف أو فقيرة بالمادة العضوية، فلن يعالج التسميد الورقي أصل المشكلة، بل يخفّف من أعراضها فقط لبعض الوقت.

خامسًا: أمثلة على عناصر شائعة في التسميد الورقي

1. الكالسيوم (Ca)

يُستخدم في كثير من المحاصيل، خاصة:

  • الطماطم والفلفل والباذنجان (للحد من عفن الطرف الزهري وتحسين صلابة الثمار).
  • التفاح وبعض الفواكه لتحسين صلابة القشرة وتحمل النقل والتخزين.

ملاحظة:
الكالسيوم يتحرك بصعوبة داخل النبات، لذلك التسميد الورقي بالكالسيوم يساعد جزئيًا في المناطق التي يصله فيها الرش، لكنه لا يغني عن وجود كالسيوم كافٍ في التربة وضمن مياه الري.

2. الحديد (Fe)

يُستخدم غالبًا في صورة مخ chelated (مخلّبات الحديد) للرش الورقي، خصوصًا في:

  • الأراضي القلوية،
  • عند ظهور اصفرار شديد في الأوراق الحديثة مع بقاء العروق خضراء (كلوروز حديد).

يُفيد الرش الورقي في تخفيف الأعراض سريعًا، لكن من الأفضل أيضًا معالجة سبب المشكلة في التربة قدر الإمكان.

3. العناصر الصغرى (Micronutrients)

مثل:

  • الزنك (Zn)
  • المنغنيز (Mn)
  • النحاس (Cu)
  • البورون (B)

غالبًا تُباع في صورة خليط عناصر صغرى أو منتجات خاصة للتسميد الورقي.
تُستخدم عند ظهور أعراض نقص محددة، أو كرشّات وقائية خفيفة في مراحل معيّنة (مثل قبل أو أثناء التزهير في بعض المحاصيل).

4. المغنيسيوم (Mg)

يدخل في تركيب الكلوروفيل، ونقصه قد يسبب:

  • اصفرار بين العروق في الأوراق المسنة غالبًا.

التسميد الورقي بسلفات المغنيسيوم (أو منتجات أخرى تحتوي مغنيسيوم) يساعد على تحسّن اللون تدريجيًا.

5. بعض الأسمدة النيتروجينية الخفيفة

تُستخدم أحيانًا رَشّات خفيفة من:

  • يوريا نقية مخصّصة للرش الورقي (بتركيز منخفض)،

لتحفيز النمو الخضري في بعض المراحل، بشرط الالتزام بالتراكيز المسموح بها وتجنّب الرش في الحر الشديد.

سادسًا: عيوب وأخطاء شائعة في التسميد الورقي

1. استخدام تركيزات أعلى من اللازم

من أشهر الأخطاء:

  • “زيادة الجرعة” ظنًّا أن النبات يحتاج كميات كبيرة.
    النتيجة: حرق الأوراق وتراجع نمو النبات بدل تحسّنه.

القاعدة الذهبية:
اتّبع التعليمات المدونة على عبوة السماد بدقة، ولا تتجاوز التركيز الموصى به.

2. الرش في وقت غير مناسب

مثل:

  • وقت الظهيرة مع حرارة وشمس قوية.
  • وجود رياح شديدة تُطيّر الرذاذ أو تسبّب انجرافه لنباتات أخرى.

الأفضل:

  • الرش في الصباح الباكر أو بعد العصر عندما تكون الحرارة أقل والرطوبة أعلى نسبيًا.

3. خلط الأسمدة الورقية مع مبيدات دون اختبار

بعض المزارعين يخلطون أكثر من مادة (مبيد + سماد ورقي + مادة أخرى) في نفس خزان الرش دون:

  • اختبار توافق،
  • أو استشارة فنية.

قد ينتج عن ذلك:

  • ترسيب في الخزان،
  • تقليل فاعلية المادة،
  • أو زيادة السُميّة على الأوراق.

4. استخدام ماء غير مناسب للرش

إذا كان ماء الرش:

  • عالي الملوحة،
  • أو يحتوي على بيكربونات أو pH مرتفع،

قد يؤثر ذلك في ذوبان السماد وفاعلية الرش، وقد يزيد خطر حرق الأوراق في بعض الحالات.

سابعًا: إرشادات عملية لاستخدام التسميد الورقي

  1. ابدأ بالتجربة على مساحة صغيرة
    رشّ جزءًا من الحقل أو عددًا قليلاً من الأشجار، وانتظر يومين أو ثلاثة لملاحظة أي أثر سلبي قبل التعميم على كامل المزرعة.
  2. التزم بتعليمات الشركة المصنعة
    • التركيز المسموح به.
    • حجم الماء لكل هكتار/دونم.
    • عدد المرات والفاصل الزمني بين الرشات.
  3. اختر وقت الرش بعناية
    • صباحًا مبكرًا أو بعد العصر.
    • تجنّب الرش قبل مطر متوقع أو في موجة حر قوية أو رياح شديدة.
  4. لا تعتمد على التسميد الورقي وحده
    • حافظ على برنامج تسميد جذري متوازن عبر التربة أو مع مياه الري.
    • اعتبر التسميد الورقي أداة مساندة لتصحيح النقص السريع أو دعم النبات في مراحل حرجة.
  5. تابع حالة النبات بعد الرش
    • تحسن اللون،
    • زيادة حيوية النمو،
    • أو ظهور أي أعراض احتراق أو ضرر.

خاتمة

التسميد الورقي وسيلة مهمّة في إدارة تغذية النبات، لكنها ليست عصا سحرية.
نلجأ إليه عندما:

  • يكون هناك نقص حاد،
  • أو صعوبة في امتصاص العناصر من التربة،
  • أو حاجة لرد فعل سريع في مرحلة حرجة من عمر النبات.

أما الأساس فيبقى:

  • تربة محسّنة،
  • برنامج تسميد متوازن عبر الجذور،
  • وإدارة جيدة للري والصرف.

عندما يُستخدم التسميد الورقي في الوقت الصحيح، بالتركيز الصحيح، وبفهم لحدوده، يصبح أداة فعّالة تساعد المزارع على حفظ صحة النبات وتحسين الإنتاجية دون مخاطرة غير محسوبة.