الماء أساس حياة النبات، لكن سوء إدارة الري قد يحوّل الماء من نعمة إلى سبب مباشر لضعف النمو، وتعفن الجذور، بل وموت النبات أحيانًا.
كثير من المزارعين يركّزون على نوع السماد والتربة، بينما تكون المشكلة الحقيقية في طريقة الري: كميته، توقيته، وصرفه من التربة.

في هذا المقال نستعرض أهم الأخطاء الشائعة في الري، وكيف تظهر على النباتات، وما هي الخطوات البسيطة لتجنّبها في ظروف الزراعة المنتشرة في الوطن العربي.

أولًا: الري الزائد (الإفراط في الري)

ما المشكلة؟

عند إعطاء النبات ماءً أكثر من احتياجه، وتمتلئ مسام التربة بالماء بدل الهواء، تختنق الجذور بسبب نقص الأكسجين، ومع الوقت:

  • تضعف الجذور.
  • تتعفن أجزاء منها.
  • تصبح أكثر عرضة للأمراض الفطرية.

هذا الخطأ شائع جدًا، خاصة مع الأنظمة الحديثة مثل الري بالتنقيط عندما يظن المزارع أن “المزيد من الماء يعني نموًا أفضل”.

كيف يظهر على النبات؟

  • اصفرار عام في الأوراق، خاصة السفلية.
  • ذبول في حرارة النهار رغم أن التربة رطبة جدًّا.
  • سقوط بعض الأوراق أو تعفن قواعد الساق في النباتات الصغيرة.
  • عند فحص الجذور: لون بني داكن، ورائحة كريهة أحيانًا.

ماذا نفعل؟

  • تقليل عدد الريّات أو زمن الري، مع مراقبة رطوبة التربة قبل كل رية.
  • تحسين صرف التربة (سنذكره لاحقًا).
  • تجنّب ترك المياه راكدة حول جذور النباتات أو داخل الأحواض.

ثانيًا: قلة الري أو تأخيره أكثر من اللازم

كما أن الإفراط في الري ضار، فإن التقصير في الري يسبّب إجهادًا شديدًا للنبات:

الأعراض

  • ذبول واضح للأوراق في أوقات النهار، وقد لا تعود لطبيعتها ليلًا.
  • التفاف حواف الأوراق وجفافها.
  • صِغر حجم الأوراق والثمار.
  • تشققات في سطح التربة، خاصة في الأراضي الطينية تحت الشمس.

الحلول

  • تحديد برنامج ري ثابت يناسب نوع التربة والمحصول.
  • في الأراضي الرملية: زيادة عدد الريات مع تقليل كمية الماء في كل رية.
  • عدم الانتظار حتى تجف التربة تمامًا بعمق قبل الري، خاصة في الخضروات الحساسة.

ثالثًا: الري غير المنتظم (مرة كثير ومرة قليل)

الري غير المنتظم من أكثر الأخطاء التي تؤدي إلى:

  • تشقّق ثمار الطماطم والبطيخ نتيجة امتصاص ماء مفاجئ بعد فترة عطش.
  • تساقط الأزهار أو الثمار الصغيرة.
  • نمو غير متوازن بين أجزاء النبات.

كيف نكتشف المشكلة؟

  • تاريخ الري غير واضح، مرة كل يومين، ثم انقطاع طويل، ثم ري غزير.
  • مظهر النبات متذبذب: فترات نمو قوي تليها فترات ذبول وتراجع.

كيف نصححه؟

  • وضع جدول ري ثابت قدر الإمكان، مع تعديلات بسيطة حسب الجو.
  • تقسيم الكمية الكلية من الماء على أكثر من رية خفيفة بدل رية غزيرة بعد عطش.

رابعًا: الري في أوقات الظهيرة تحت الحرارة الشديدة

في كثير من المزارع، يتم الري في أشد أوقات النهار حرارة لظروف العمل أو عادة متوارثة، وهذا يسبب:

  • ارتفاع الفاقد بالتبخر؛ جزء كبير من الماء لا يستفيد منه النبات.
  • تعرّض النبات لصدمة حرارية عند ملامسة الماء البارد للتربة الساخنة.
  • زيادة خطر بعض الأمراض الفطرية على الأوراق الرطبة تحت الشمس.

الأفضل في مناخ الوطن العربي

  • جعل الري صباحًا بعد شروق الشمس أو عصرًا قبل الغروب.
  • في الصيف الحار: يمكن تقسيم الري بين الصباح المبكر وأواخر العصر لتقليل الإجهاد.

خامسًا: سوء صرف التربة وركود الماء حول الجذور

حتى لو كانت كمية الري مناسبة، فإن ضعف الصرف يؤدي عمليًا إلى نفس نتائج الري الزائد.

أسباب سوء الصرف

  • تربة طينية ثقيلة غير محسّنة بالمادة العضوية أو الرمل.
  • عدم وجود ميل بسيط يسمح بتصريف المياه الزائدة من الأحواض.
  • انسداد المصارف أو عدم وجودها أساسًا.
  • في الري بالتنقيط: ترك الخطوط تنقط دائمًا في نفس المكان بدون توزيع جيد.

الأعراض على النبات

  • مناطق معيّنة في الحقل تكون النباتات فيها أضعف أو مصفرة أكثر من غيرها.
  • بقاء الماء راكدًا بعد الري أو بعد سقوط الأمطار لفترة طويلة.
  • زيادة شدة الأمراض الفطرية وتعفّن الجذور في هذه البقع.

ما الحل؟

  • تحسين بنية التربة بإضافة سماد عضوي متحلل ورمل (في حدود الممكن) خاصة في الأراضي الثقيلة.
  • عمل مصارف سطحية بسيطة بين الأحواض أو على أطراف الحقل.
  • التأكد من عدم ارتفاع منسوب الماء الأرضي في الأراضي المنخفضة.
  • في البيوت المحمية: استخدام خطوط تنقيط مرتّبة وتصميم يضمن عدم تجمع الماء في أماكن محددة.

سادسًا: استخدام طرق ري لا تناسب نوع التربة

اختيار طريقة ري غير مناسبة قد يسبب مشكلات حتى مع كميات ماء صحيحة:

  • في التربة الرملية: الري بالغمر أو الأحواض يؤدي إلى فقد سريع للماء إلى العمق.
  • في التربة الطينية الثقيلة: الري الغزير السريع يسبب ركودًا ومشاكل صرف.

التوصية العامة

  • التربة الرملية:
    • الري بالتنقيط أو الرش الخفيف مع فترات متقاربة وزمن قصير.
  • التربة الطينية:
    • ريات أقل عددًا لكن بزمن أكبر، مع الحرص على الصرف الجيد، ويمكن استخدام التنقيط أيضًا بشرط تنظيم الكميات.

سابعًا: أمثلة على أعراض مرتبطة بأخطاء الري

1. اصفرار الأوراق مع تربة شديدة الرطوبة

غالبًا يدل على:

  • ري زائد، أو
  • سوء صرف، أو
  • بداية تعفن في الجذور.

2. ذبول في الظهر مع تربة مبلولة

  • يدل غالبًا على اختناق أو تعفن الجذور، وليس حاجة للمزيد من الماء.
  • زيادة الري هنا تزيد المشكلة سوءًا.

3. سقوط الأزهار والثمار الصغيرة في الطماطم والخيار

من أسبابه:

  • عدم انتظام الري (فترات عطش يليها ري غزير).
  • تعرّض النباتات لعطش شديد في فترة الحر مع رطوبة غير كافية حول الجذور.

4. تشقق الثمار

شائع في:

  • الطماطم، والبطيخ، وبعض الفواكه.
  • غالبًا نتيجة عطش طويل ثم ري مفاجئ بكميات كبيرة.

ثامنًا: كيف يضبط المزارع برنامج الري عمليًا؟

حتى بدون أجهزة متقدمة، يمكن للمزارع في الوطن العربي أن يحسّن إدارة الري باتّباع خطوات بسيطة:

  1. فحص التربة قبل الري
    • لمس التربة على عمق 10–15 سم إن أمكن.
    • إذا كانت رطبة بوضوح، يمكن تأجيل الري بدل الاعتماد على “العادة”.
  2. تسجيل مواعيد الري
    • دفتر بسيط يكتب فيه تاريخ وساعة كل رية، ومدتها.
    • يساعد على ملاحظة إن كان الري متقاربًا أو متباعدًا أكثر من اللازم.
  3. تقسيم الحقل إلى مناطق
    • بعض الأجزاء قد تحتاج كميات أقل أو أكثر حسب نوع التربة أو التعرض للشمس.
    • لا يشترط أن يكون كل الحقل على نفس البرنامج تمامًا.
  4. عدم تغيير البرنامج فجأة
    • عند الحاجة لتقليل أو زيادة المياه، الأفضل التدرج على عدة أيام، خاصة مع المحاصيل الحساسة.
  5. الاستعانة بالمختصين عند ظهور مشاكل متكررة
    • وجود تعفن جذور متكرر أو موت نباتات في مناطق محددة يستدعي فحصًا أعمق للتربة والصرف ونوع الماء.

خاتمة

أخطاء الري من أكثر الأسباب الخفية وراء ضعف النمو وتعفن الجذور وتراجع الإنتاج، ومع ذلك يمكن تجنّب معظمها بخطوات بسيطة:

  • معرفة احتياج النبات الفعلي للماء.
  • اختيار التوقيت المناسب للري.
  • تحسين صرف التربة.
  • المحافظة على انتظام برنامج الري.

إدارة الماء ليست “تفصيلًا ثانويًا”، بل هي جزء أساسي من نجاح أي مشروع زراعي، صغيرًا كان أو كبيرًا. عندما يُدار الري بطريقة صحيحة، يصبح السماد والتربة ووقت المزارع أكثر فاعلية، ويظهر ذلك واضحًا في صحة النباتات وجودة المحصول.