تغذية أسماك البلطي ليست مجرد إلقاء علف في الحوض.
فكل قرار يأخذه المربّي في كمية العلف، توقيت التقديم، وطريقة التخزين ينعكس مباشرة على معدل النمو، ومعامل التحويل الغذائي، وجودة الماء.
في هذا المقال سنركّز على أهم أخطاء تغذية أسماك البلطي في المزارع العربية، مع حلول عملية بسيطة يمكن تطبيقها فورًا.
أولًا: لماذا أخطاء التغذية خطيرة اقتصاديًّا؟
أي خطأ في التغذية يترك أثرًا مزدوجًا:
- زيادة في التكاليف: علف مهدَر في القاع أو غير مستغلّ في النمو.
- انخفاض في الإنتاج: بطء في النمو وارتفاع النفوق أو الأمراض.
لذلك، تصحيح أخطاء التغذية قد يرفع ربحية المزرعة أكثر من توسيع المساحة أو زيادة عدد الأحواض.
1. الإفراط في كمية العلف
الخطأ
يلقي كثير من المربين العلف “بحسب الشعور” أو لمجرد رؤية السمك يصعد إلى السطح. فيُقدِّم كميات أكبر من احتياج البلطي، خاصة في الأحواض الترابية.
النتيجة
- علف مهدَر يتراكم في القاع ويتحلل.
- ارتفاع الأمونيا وانخفاض الأكسجين المذاب.
- زيادة إصابة الأسماك بالأمراض البكتيرية والفطرية.
- معامل تحويل غذائي مرتفع (FCR سيئ).
كيف تصححه؟
- اربط كمية العلف بـ وزن الأسماك في الحوض (نسبة التغذية من وزن الجسم 2–4٪ في أغلب المراحل، حسب العمر والحرارة).
- قدِّم العلف على وجبتين أو ثلاث وجبات موزعة خلال اليوم بدل وجبة واحدة كبيرة.
- راقب استجابة السمك: إذا بقي علف على السطح بعد 10–15 دقيقة، فهذه إشارة واضحة إلى زيادة الكمية.
2. استخدام حبيبات غير مناسبة لحجم السمكة
الخطأ
تقديم حبيبات صغيرة جدًّا أو كبيرة جدًّا لمرحلة عمرية معينة، إما لأن هذا المتوفر أو لتقليل أنواع الأعلاف في المخزن.
النتيجة
- صغار الأسماك تضيع وقتًا وطاقة في التقاط حبيبات كبيرة أو تتركها.
- الكبار تبتلع حبيبات صغيرة بسرعة شديدة فتُهدَر كمية كبيرة بلا مضغ أو اختيار.
- تفاوت كبير في الأحجام داخل الحوض بسبب اختلاف القدرة على الاستفادة من العلف.
الحل العملي
- اتبع توصيات الشركة المصنّعة للعلف، أو استخدم قاعدة تقريبية:
- زريعة صغيرة: 0.5–1 مم (علف ناعم أو مجروش).
- إصبعيات: 1–2 مم.
- أسماك متوسطة: 3–4 مم.
- أسماك قرب التسويق: 4–6 مم.
- غيّر حجم الحبيبات تدريجيًّا مع نمو القطيع، ولا تُبقِ على نفس العلف طوال الدورة.
3. التغذية في أوقات انخفاض الأكسجين
الخطأ
تقديم الوجبة الرئيسية مع أو بعد الفجر مباشرة في أحواض مزدحمة أو ذات تهوية ضعيفة، أو التغذية في أوقات ارتفاع الحرارة الشديدة منتصف النهار.
النتيجة
- انخفاض حاد في الأكسجين المذاب بعد التغذية.
- صعود الأسماك للسطح وتنهّدها (جريان على السطح).
- ضعف في الشهية، وإجهاد يفتح الباب لأمراض الجهاز التنفسي والجهاز المناعي.
ما العمل؟
- اجعل أكبر وجبة في الفترة من منتصف الصباح حتى قبل الظهر، عندما يبدأ الأكسجين في الارتفاع.
- تقسم باقي الكمية بعد العصر، مع تجنب التغذية في أقصى أوقات الحرارة.
- في الأحواض ذات الكثافة العالية، استخدم تهوية ميكانيكية (بدّالات، مضخات) خاصة قبل وبعد التغذية.
4. استخدام علف قديم أو مخزن بطريقة سيئة
الخطأ
شراء كمية كبيرة من العلف وتخزينها في مكان حارّ أو رطب، أو استخدام علف منتهي الصلاحية طالما “شكله جيد”.
النتيجة
- تدهور الفيتامينات والدهون، وظهور سموم فطرية (مايكوتوكسينات).
- انخفاض في النمو، وتغيّر في لون السمكة، وارتفاع النفوق دون سبب واضح.
- رائحة غير مقبولة للعلف أو للماء.
خطوات الوقاية
- اشترِ العلف بكميات تتناسب مع سرعة استهلاكك خلال شهر أو شهرين فقط.
- خزّن الأكياس على منصات خشبية بعيدًا عن الأرض والجدران، في مكان جاف ومهواة.
- تجنّب تعريض العلف لأشعة الشمس المباشرة أو لمياه الأمطار.
- لا تستخدم علفًا منتهي الصلاحية، حتى إن بدا مظهره جيدًا.
5. عدم تعديل برنامج التغذية حسب درجة حرارة الماء
الخطأ
الاستمرار على نفس كمية العلف صيفًا وشتاءً، أو خلال موجات البرد والحر.
ماذا يحدث؟
- البلطي يقلل استهلاكه للعلف عندما تنخفض درجة حرارة الماء كثيرًا أو ترتفع جدًا.
- العلف الزائد لا يُستغلّ في النمو، بل يتحول إلى عبء على جودة الماء.
- في المقابل، في درجة الحرارة المثالية (عادةً 26–30°م) يحتاج السمك إلى كمية أعلى من العلف لتحقيق أفضل نمو.
الحل
- راقب درجة حرارة الماء يوميًّا إن أمكن.
- خفّض كمية العلف تدريجيًّا عندما تنخفض الحرارة دون 22°م، أو عند موجات الحر الشديدة حيث تزداد مشكلات الأكسجين.
- لا تُجبِر السمك على الأكل: إذا انخفضت الشهية، فالأولوية لجودة الماء وصحة الأسماك.
6. الاعتماد على علف منخفض الجودة أو غير متزن
الخطأ
اختيار العلف الأرخص سعرًا فقط، بغضّ النظر عن نسبة البروتين، ومصدره، وتوازن باقي العناصر الغذائية.
النتيجة
- معدل نمو ضعيف، حتى مع استهلاك كميات كبيرة.
- معامل تحويل غذائي مرتفع، أي أن المزرعة تدفع كثيرًا لتحصل على زيادة وزن قليلة.
- زيادة المخلفات في الماء بسبب سوء الهضم.
كيف تختار علف البلطي؟
- اقرأ بطاقة المكونات بعناية:
- البروتين الخام لمرحلة النمو غالبًا بين 28–32٪ (قد يقل أو يزيد حسب النظام).
- نسبة الدهون 5–8٪ تقريبًا.
- ألياف منخفضة.
- تأكد من وجود فيتامينات ومعادن متكاملة، ويفضل أن يكون العلف من مصنع موثوق وله سمعة جيدة في السوق.
- قارن بين السعر وجودة النمو وليس السعر فقط: أحيانًا يكون العلف الأغلى أوفر على المدى البعيد.
7. تغذية الأسماك وهي مريضة أو تحت إجهاد شديد
الخطأ
الاستمرار في تقديم نفس كمية العلف أثناء وجود أعراض مرضية واضحة، أو بعد نقل الأسماك أو فرزها مباشرة.
النتيجة
- السمك المجهد لا يهضم العلف بكفاءة، فيرتفع الفاقد في الماء.
- زيادة الضغط على الكبد والجهاز الهضمي، وتفاقم المشكلة الصحية.
- صعوبة الحكم على استجابة الأسماك للعلاج.
التصحيح
- عند ظهور أعراض مرضية عامة (خمول، سباحة غير طبيعية، نفوق متكرر)، استشر طبيبًا بيطريًّا وقلّل العلف مؤقتًا حتى تستقر الحالة.
- بعد عمليات النقل أو الفرز أو الصيد الجزئي، أعطِ الأسماك فترة راحة قصيرة مع تقليل العلف ثم العودة تدريجيًّا إلى البرنامج الطبيعي.
8. غياب المتابعة والسجلات الغذائية
الخطأ
عدم تسجيل كميات العلف، تواريخ الشراء، وزن الأسماك، ومعدلات النمو، والاعتماد فقط على الذاكرة.
النتيجة
- صعوبة معرفة معامل التحويل الغذائي الحقيقي للمزرعة.
- عدم القدرة على اكتشاف الأخطاء بسرعة أو تقييم تغيير في نوع العلف أو البرنامج.
- قرارات عشوائية في زيادة أو خفض كمية العلف.
الحل العملي البسيط
- خصّص دفترًا أو ملفًا إلكترونيًّا لكل حوض:
- تاريخ، كمية العلف، نوع العلف، ملاحظات على الشهية وسلوك السمك.
- قِس وزن عينة ممثلة من الأسماك كل فترة (مثلًا كل أسبوعين–ثلاثة)، لتعرف معدل النمو.
- احسب معامل التحويل الغذائي FCR على فترات؛ لتحكم على كفاءة برنامج التغذية بالكامل.
خاتمة: تغذية البلطي إدارة وليست رمي علف
النجاح في تغذية أسماك البلطي لا يعتمد على نوع العلف فقط، بل يعتمد قبل ذلك على:
- التقدير الصحيح للكمية.
- اختيار الحجم المناسب للحبيبات.
- احترام درجة حرارة الماء ومستوى الأكسجين.
- تخزين العلف بطريقة صحيحة.
- تسجيل كل شيء ومراجعة الأرقام بانتظام.
عندما يعالج المربّي هذه الأخطاء خطوة بخطوة، يلاحظ غالبًا تحسّنًا واضحًا في النمو، انخفاضًا في الفاقد، واستقرارًا أكبر في صحة القطيع، وكل ذلك يعني ربحًا أعلى للمزرعة.