البيوت المحمية تمنح المزارع قدرة كبيرة على التحكم في المناخ، ومع ذلك كثير من الخسائر تحدث بسبب أخطاء في الري والتسميد أكثر من الأمراض والآفات نفسها.
في هذا المقال نستعرض أهم الأخطاء الشائعة، ثم نضع بدائل عملية يمكن تطبيقها بسهولة في مزارع الخضر داخل البيوت المحمية.
أولًا: الري على فترات متقاربة جدًا
أين المشكلة؟
بعض المزارعين يظن أن النباتات في البيت المحمي تحتاج إلى ريّ شبه يومي أو حتى أكثر من مرة في اليوم، بغضّ النظر عن نوع التربة أو عمر النبات. هذا الأسلوب يؤدي إلى:
- تشبّع منطقة الجذور بالماء ونقص الأكسجين.
- انتشار أعفان الجذور والأمراض الفطرية.
- جذور سطحية وضعيفة لا تتحمل الإجهاد.
- غسيل جزء كبير من الأسمدة إلى أسفل منطقة الجذور.
أعراض تلاحظها على النباتات
- اصفرار عام مع بطء في النمو رغم كثرة الري.
- ذبول مؤقت بعد الظهر رغم رطوبة التربة.
- انتشار روائح كريهة أو ملمس طري للتربة حول الساق (علامة على تعفن الجذور).
ما الحل؟
- الاعتماد على مراقبة رطوبة التربة بدل الاعتماد على الشعور فقط:
- باستخدام جهاز قياس رطوبة بسيط أو على الأقل فحص التربة باليد حتى عمق 10–15 سم.
- جعل الري على شكل دفعات أقل عددًا لكن أعمق، حتى تشجّع الجذور على النزول إلى أسفل.
- ضبط عدد الريات حسب:
- نوع التربة أو البيتموس/الكوكوبيت.
- عمر النبات ومرحلة النمو.
- درجة الحرارة والرطوبة داخل البيت.
ثانيًا: تركّز الأملاح على حواف الأحواض أو خطوط الزراعة
كيف يحدث ذلك؟
في أنظمة الري بالتنقيط داخل البيوت المحمية، يرتفع الماء إلى السطح ثم يتبخر، بينما تبقى الأملاح على السطح أو على حواف الخطوط. ومع مرور الوقت، تتراكم هذه الأملاح في شكل حزام ملحي حول منطقة الجذور، خاصة عند استخدام مياه ذات ملوحة متوسطة أو عالية.
الأضرار
- حرق حواف الجذور الدقيقة.
- تقزم النباتات واصفرار الأوراق القديمة.
- انخفاض امتصاص العناصر الغذائية رغم كثرة التسميد.
ما الذي يمكن فعله عمليًّا؟
- غسيل التربة (Leaching)
- بين فترة وأخرى (مثلًا كل شهر أو حسب ملوحة المياه) تُجرى رية غزيرة بدون تسميد لطرد جزء من الأملاح إلى أسفل منطقة الجذور.
- تعديل برنامج التسميد
- تجنّب الإفراط في الأسمدة النيتروجينية أو البوتاسية عالية الملوحة.
- توزيع التسميد على عدة ريات خفيفة بدل إضافة كميات كبيرة دفعة واحدة.
- تحسين الصرف
- التأكد من وجود ميل بسيط يسمح بخروج المياه الزائدة من الأحواض.
- في حالة الزراعة في أصص أو أحواض مرتفعة، يجب أن تحتوي على فتحات صرف كافية.
ثالثًا: الإفراط في استخدام اليوريا
لماذا يلجأ المزارع إلى اليوريا؟
اليوريا سماد نيتروجيني مركز وسهل الذوبان وسعره مناسب، لذلك يعتمد عليه كثير من المزارعين كمصدر شبه وحيد للنيتروجين. لكن المشكلة تظهر عندما:
- ترتفع نسبة الأمونيوم حول الجذور.
- يزيد النمو الخضري على حساب الأزهار والثمار.
- ترتفع ملوحة محلول التربة.
النتائج السلبية
- نباتات خضراء للغاية لكن بثمار قليلة.
- زيادة حساسية النباتات للأمراض والآفات، خاصة الذبابة البيضاء والمن والبياض الدقيقي.
- تأخر نضج المحصول وانخفاض جودته التخزينية.
كيف تستخدم النيتروجين بشكل متوازن؟
- الاعتماد على خلطة نيتروجين متوازنة (جزء نترات، جزء أمونيوم، جزء يوريا) حسب نوع المحصول والمرحلة.
- تقليل اليوريا في المراحل المتأخرة من الموسم، والتركيز أكثر على النترات والبوتاسيوم لتحسين عقد الثمار وجودتها.
- تقسيم جرعة النيتروجين على مدار الأسبوع بدل إضافتها دفعة واحدة.
رابعًا: خلط أسمدة غير متوافقة في نفس خزان التسميد
ما الذي يحدث في الخزان؟
عند خلط كل الأسمدة في خزان واحد دون مراعاة التوافق الكيميائي، قد تتفاعل بعض العناصر معًا وتكوّن رواسب غير ذائبة (مثل ترسّب الفوسفات مع الكالسيوم). في هذه الحالة:
- يفقد المزارع جزءًا من السماد لأنه يترسب في القاع ولا يصل إلى النبات.
- تسدّ الرواسب نقاط التنقيط والمرشّات مع الوقت.
- تتغير نسبة العناصر الغذائية التي تصل فعليًّا إلى الجذور.
أمثلة على خلطات خطيرة
- خلط سوبر فوسفات أو أسمدة فوسفاتية مع نترات الكالسيوم في خزان واحد.
- خلط أسمدة عالية الحموضة مع أخرى قلوية بشدة دون حساب.
البدائل العملية
- استخدام خزانين للتسميد (A و B)
- يُوضع الكالسيوم في خزان، والفوسفات والكبريتات في خزان آخر.
- يختلط المحلولان فقط عند نقطة الحقن في خط الري.
- قراءة تعليمات الشركات المصنعة للأسمدة، أو الاستعانة بجدول التوافقات الشائع في إرشادات التسميد.
- في حالة وجود خزان واحد فقط:
- إذابة كل سماد على حدة في دلو منفصل أولًا.
- تجربة خلط كمية صغيرة خارج الخزان، فإذا ظهر تعكّر قوي أو ترسب واضح، لا يتم خلطهما في الخزان الرئيسي.
خامسًا: عدم ربط الري والتسميد بقياسات فعلية (EC و pH)
حتى لو كان برنامج الري والتسميد مكتوبًا جيدًا، فإن تطبيقه دون قياس قد يؤدي إلى مشاكل حقيقية.
أين الخطأ؟
- عدم قياس الملوحة الكهربية (EC) لمياه الري أو لمحلول التسميد.
- تجاهل درجة الحموضة (pH)، مما يقلّل استفادة النبات من العناصر رغم وجودها في المحلول.
الحل العملي للمزارع
- شراء جهاز EC/pH يدوي بسيط؛ تكلفته عادة أقل من تكلفة خطأ واحد في التسميد.
- ضبط:
- EC حسب نوع المحصول ومرحلة نموه.
- pH في مدى مناسب (غالبًا بين 5.5–6.5 في الزراعة المحمية أو التربة الخفيفة).
سادسًا: نصائح سريعة لبرنامج ري وتسميد أكثر توازنًا
لخّصنا الأخطاء السابقة في مجموعة إرشادات عملية:
- اجعل التربة هي التي “تطلب” الماء عبر مراقبة رطوبتها، لا عبر جدول ثابت لا يتغير.
- نفّذ رية غسيل دورية للأملاح، خاصة مع مياه متوسطة أو عالية الملوحة.
- استخدم مصادر نيتروجين متوازنة، وقلّل الاعتماد على اليوريا وحدها.
- تجنّب خلط الأسمدة الحساسة في خزان واحد، وافصل الكالسيوم عن الفوسفات قدر الإمكان.
- استثمر في جهاز EC/pH بسيط، واضبط المحلول الغذائي بناءً على أرقام حقيقية.
- دوّن ملاحظاتك بعد كل تعديل في البرنامج؛ ما الذي تحسّن، وما الذي تراجع؟ هذه السجلات هي أفضل “كتاب إرشاد” لمزرعتك.
خاتمة
النجاح في زراعة الخضروات داخل البيوت المحمية لا يعتمد فقط على اختيار صنف جيد أو تركيب بيت متين، بل يتوقف بدرجة كبيرة على ذكاء إدارة الري والتسميد.
عندما يتجنّب المزارع هذه الأخطاء الشائعة ويعتمد على قياسات حقيقية وممارسات متوازنة، يستطيع أن يحصل على:
- نمو خضري قوي متزن،
- محصول وفير،
- وجودة عالية للثمار،
مع تقليل التكاليف ومشكلات الأمراض في الوقت نفسه.