يعدّ القمح والشعير من أهم المحاصيل في الوطن العربي، وأي خسارة في المحصول تعني خسارة مباشرة في دخل المزارع.
من أخطر ما يهدد هذه المحاصيل الآفات الحشرية، خاصة حشرات الأوراق والسنابل التي تمتص العصارة النباتية أو تقرض الأوراق والحبوب وتضعف الإنتاجية بشكل كبير.
في هذا المقال سنعرّف بأهم الآفات الحشرية التي تصيب القمح والشعير، مع علامات الإصابة الأساسية، ثم نعرض برنامجًا مبسّطًا لكيفية حماية المحصول من بداية الموسم حتى الحصاد.
أولًا: متى يكون محصول القمح والشعير أكثر حساسية للآفات؟
تختلف خطورة الحشرات حسب مرحلة نمو النبات:
- في مرحلة الإنبات والتفريع
تكون النباتات صغيرة وضعيفة؛ أي ضرر على الأوراق أو الجذور ينعكس مباشرة على عدد السنابل في النهاية. - في مرحلة الاستطالة وطرد السنابل
تختلف نوعية الحشرات؛ فتبدأ حشرات السنابل بمهاجمة الأزهار والحبوب في طور العجن واللبن. - في مرحلة امتلاء الحبوب
أي حشرة تمتص العصارة من الحبوب الطرية تؤثر على وزن الحبوب وجودة الطحين.
لذلك، من المهم أن يراقب المزارع حقله منذ اليوم الأول، وألا ينتظر حتى تظهر الإصابة بشكل واضح.
ثانيًا: أهم حشرات الأوراق في القمح والشعير
1. حشرات المنّ (منّ القمح والشعير)
- حشرات صغيرة رخوة، خضراء أو بنّية، تتجمّع على السطح السفلي للأوراق أو على السوق القريبة من القمة.
- تمتص العصارة النباتية، وتفرز مادة لزجة (ندوة عسلية) تساعد على نمو العفن الأسود.
أهم الأعراض:
- التفاف الأوراق وتجعدها.
- اصفرار عام وضعف في النمو.
- وجود طبقة لامعة لزجة على الورق نتيجة الندوة العسلية.
- في الإصابات الشديدة: نقص في عدد السنابل وصغر حجم الحبوب.
خطورة إضافية:
بعض أنواع المنّ تنقل أمراض فيروسية تسبب تقزّمًا وتبرقشًا في النباتات، ما يعني خسارة مزدوجة (أمراض + حشرات).
2. الديدان القارضة والديدان الجيشية (اليرقات القارضة)
- يرقات ليلية تختبئ في النهار قرب سطح التربة، وتخرج ليلًا لتقرض الأوراق والسيقان.
- قد تقطع البادرات من عند سطح التربة، فيظهر جزء من الحقل وكأنه محصود مبكرًا.
الأعراض:
- نباتات مقطوعة أو ساقطة على سطح التربة.
- حواف ممضوغة على الأوراق.
- وجود يرقات سميكة عند تقليب التربة قليلًا.
3. حشرات أخرى على الأوراق
قد تظهر أيضًا:
- التربس: يترك بقعًا فضية أو رمادية على الأوراق نتيجة خدش السطح وامتصاص العصارة.
- الجراد والحشرات النطاطة: تقرض الأوراق وتُحدث ثقوبًا واسعة في حالات الإصابة الشديدة أو عند وجود أسراب.
هذه الحشرات قد تكون أقل استمرارًا من المنّ، لكنها في بعض المواسم تسبب خسائر ملحوظة إذا لم تُراقب.
ثالثًا: أهم حشرات السنابل في القمح والشعير
1. حشرة السونة (بق القمح)
من أخطر آفات القمح في كثير من مناطقنا.
- حشرة ذات خرطوم تمتص به العصارة من الحبوب الطرية في السنابل.
- تهاجم السنابل في مرحلة امتلاء الحبوب.
الأعراض:
- حبوب بيضاء منكمشة أو منبسطة على أحد الجانبين.
- نقص واضح في وزن الألف حبة.
- انخفاض في جودة الطحين والخبز نتيجة إفراز إنزيمات تؤثر في البروتين (الجلوتين).
2. منّ السنابل
في بعض المواسم تستمر مستعمرات المنّ من الأوراق حتى تصل إلى السنابل:
- تغطي قاعدة السنبلة أو العرنوس.
- تمتص العصارة من الحبوب والأنسجة الخضراء، فتظهر السنابل ضعيفة والحبوب صغيرة.
رابعًا: كيف تحمي محصول القمح والشعير من بداية الموسم؟
الحماية الحقيقية تبدأ قبل الزراعة، ثم تستمر مع المراقبة الدورية وتطبيق مبادئ المكافحة المتكاملة للآفات (IPM).
1. إجراءات ما قبل الزراعة
- الدورة الزراعية:
تجنب زراعة القمح بعد القمح أو الشعير بعد الشعير لعدة سنوات متتالية في نفس الحقل قدر الإمكان؛ هذا يقلل من بقاء اليرقات وبيوض الحشرات في التربة وبقايا المحصول. - التخلص من بقايا المحصول السابق والحشائش:
الحراثة الجيدة وحرق أو دفن بقايا القش المصاب يقللان من مصادر العدوى والحشرات. - استخدام تقاوي سليمة ومعتمدة:
بذور نظيفة وخالية من الشوائب والحبوب المكسورة تساعد في تكوين نباتات قوية مقاومة نسبيًا للحشرات. - الزراعة في الموعد المناسب:
تأخير الزراعة قد يعرّض البادرات المبكرة لموجات حشرات قوية، بينما التبكير الزائد في مناطق باردة قد يضعف النباتات ويجعلها أكثر حساسية.
2. المراقبة الدورية للحقل (Scout your field)
من أهم خطوات المكافحة الناجحة:
- افحص الحقل مرة كل 7–10 أيام على الأقل في موسم النمو.
- اختر عدة نقاط في الحقل، وفي كل نقطة افحص مجموعة من النباتات:
- الأوراق من الأعلى والأسفل.
- قواعد النباتات وسطح التربة للبحث عن اليرقات القارضة.
- السنابل عند بداية ظهورها ثم أثناء امتلاء الحبوب.
- دوّن ملاحظاتك:
عدد الحشرات التقريبي، مساحة الإصابة، وجود أعداء حيوية (خنافس أبو العيد، يرقات مفترسة، دبابير طفيلية…).
كلما كانت المراقبة مبكرة، كانت المكافحة أسهل وأقل كلفة.
3. خطوات المكافحة غير الكيميائية
قبل التفكير في المبيدات، هناك مجموعة من الممارسات العملية تقلل من أعداد الآفات:
- المحافظة على توازن التسميد:
الإفراط في التسميد الآزوتي يجعل النباتات أكثر غضاضة وجاذبية للمنّ والحشرات المصّة. - تنظيم الري:
الإجهاد الشديد (عطش أو غمر) يضعف النباتات ويزيد حساسيتها. - إزالة الحشائش حول الحقل:
كثير من الآفات تعيش أولًا على الحشائش ثم تنتقل للمحصول. - تشجيع الأعداء الحيوية:
تجنب الرش العشوائي المتكرر، لأن ذلك يقتل المفترسات الطبيعية التي تهاجم المنّ والآفات الأخرى بشكل طبيعي. - استخدام المصائد اللاصقة أو الفرمونية عند الإمكان لمراقبة بعض الحشرات الطائرة وتقدير بداية ظهورها.
4. متى نلجأ للمبيدات؟ وكيف نستخدمها بأمان؟
أحيانًا، ورغم كل الإجراءات السابقة، قد تتجاوز أعداد الحشرات الحد الذي يمكن تحمّله اقتصاديًا، خاصة في حالة:
- انتشار واسع للمنّ على معظم النباتات.
- ظهور أعداد كبيرة من حشرة السونة في مرحلة امتلاء الحبوب.
- تدمير ملحوظ للبادرات بسبب الديدان القارضة.
في هذه الحالة يمكن اللجوء إلى المبيدات، ولكن بشروط واضحة:
- اختيار مبيد مسجّل ومحسوب للآفة والمحصول
– يُفضّل دائمًا استشارة مهندس زراعي أو مرشد زراعي محلي. - مراعاة فترة ما قبل الحصاد (الفاصل الزمني بين آخر رشّة وتاريخ الحصاد)، حتى لا تبقى متبقيات خطرة في الحبوب.
- الرش في الوقت المناسب من اليوم
– عادةً في الصباح الباكر أو بعد العصر لتقليل التبخر وحماية الأعداء الحيوية النافعة. - تغطية جيدة للنباتات
– مع ضبط ضغط الرش والفُوّهات، حتى يصل المبيد إلى السطح السفلي للأوراق وقواعد السنابل عند الحاجة. - السلامة الشخصية للمزارع:
- ارتداء القفازات والكمامة والنظارة الواقية.
- عدم الأكل أو الشرب أثناء الرش.
- غسل الملابس والأدوات بعد الانتهاء، والتخلص الآمن من العبوات الفارغة.
خامسًا: نصائح سريعة لمزارعي القمح والشعير
- ابدأ الموسم بـ حقل نظيف وبذور سليمة؛ هذا يقلل نصف المشكلة.
- لا تنتظر حتى ترى السنابل متضررة؛ راقب أوراق وقلوب النباتات من البداية.
- لاحظ أي تغيّر غير طبيعي: اصفرار فجائي، تجعّد أوراق، بقع لامعة، نباتات مقطوعة… كل ذلك إشارات مبكرة.
- لا تعتمد على نوع واحد من المبيد لسنوات متتالية؛ بدّل بين المواد الفعالة المسجلة لتقليل ظهور المقاومة.
- سجّل ملاحظاتك كل موسم (مواعيد ظهور الآفات، الظروف الجوية، فاعلية البرامج) حتى تخطط بشكل أفضل في المواسم التالية.
